الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٦٣
غير مستقيم لورود منع الحصر عليه وهو ظاهر الثاني قد يقع التعارض في نقل الاجماع وقد يقع بينه وبين الرواية المعتبرة فيرجح الأقوى ومع التكافؤ فالتخيير وللترجيح وجوه عديدة تعرف مما مر ومما يأتي في بحث التراجيح وقد يتوهم أن الاجماع إذا عارض الرواية رجح عليها مطلقا لتعدد الوسائط في الرواية و انتفائها في نقل الاجماع وهو من جملة وجوه الترجيح ويضعف بأن هذا الوجه معارض في الغالب بقلة الضبط في نقل الاجماع بالنسبة إلى نقل الخبر والاعتماد على بعض وجوه الترجيح مشروط بانتفاء ما يساويه أو يزيد عليه في الجانب الاخر الكلام في الخبر الخبر في اللغة النبأ وهو المعنى الذي ينبأ به دون الحديث ولهذا لا ينصرف وربما يخصان بما إذا كان الاخبار والأنباء عن حس و ليس بمرضي لشهادة التبادر والاستعمال على خلافه وقد كثر مجئ الانباء في الكتاب العزيز للاخبار عن غير الحس نحو ينبئكم نبأ عبادي أنبئكم بما تأكلون إلى غير ذلك وقد مر التنبيه على ذلك وأما في الاصطلاح فقد يطلق ويراد به ما يقابل الانشاء وعرف في المشهور بوجهين الأول أنه كلام لنسبة خارج تطابقه أو لا تطابقه فالكلام جنس والمراد به إما معناه اللغوي فيتناول المهمل على ما قيل أو معناه المصطلح فيختص بالمركبات التامة ويخرج بالقيود المذكورة ما عدا الخبر كالمركبات الناقصة والتامة الانشائية إذ ليس لنسبتها خارج والمراد بثبوت خارج لنسبته أن يكون الخارج منشأ لانتزاعها سواء كان ظرفا لوجودها أو ظرفا لنفسها على اختلاف القولين في ذلك أو لم يكن ظرفا لها بأحد الاعتبارين بل كان ظرفا لما ينتزع منه كما في قولك زيد موجود على القول الثاني وتحقيق ذلك أن مفاد النسبة هو الوجود الارتباطي فمن قال بأن الخارج ظرف لوجود الوجود لا تسلسل لأنه اعتبار ناشئ من ذاته قال بأن الخارج ظرف لوجود النسبة مطلقا ولا إشكال عليه ومن قال بأنه ظرف لنفس الوجود لا لوجوده وإلا تسلسل يلزمه القول بانتفاء وجود الربط في الخارج مطلقا وانتفاء نفسه في المثال المذكور فيحتاج في إدخال الثاني إلى التكليف المذكور ثم المراد بالخارج هنا الخارج عن نفس النسبة فدخل نحو علمت وعرفت مما يعد في العرف خبر أو ليس لنسبة خارج من الذهن ومع ذلك يتجه على عكسه خروج مثل قول القائل كلامي في هذا اليوم خبر إذا لم يتكلم فيه بغيره اللهم إلا أن يفسر الخارج بما هو خارج ولو بحسب الاعتبار و مثل قوله كلامي في هذا اليوم كاذب إذا لم ينطبق بغيره إلا أن يؤول بأن المراد ما يقتضي نسبة ذلك بالنظر إلى نفس ذاتها وبه يندفع الاشكال الأول أيضا ويرد على طرده دخول المحمول المأخوذ مع النسبة الحكمية أو الموضوع المأخوذ معها إن فسر الكلام بمعناه اللغوي مع أنه لا يسمى خبرا وإنما يسمى به المجموع المركب ويرد عليه أيضا دخول النسب الناقصة فإن قولك رجل عالم على الوصفية يشتمل على نسبة وصفية ذهنية لها خارج وهو الاتصاف الخارجي و مثله قولك غلام زيد وكذلك الجمل الشرطية كقولنا إن كانت الشمس طالعة فإنها يشتمل على نسبة ذهنية هي نسبة الطلوع إلى الشمس باعتبار الخارج وكذلك الذي ضرب وما أشبه ذلك نعم لو فسر الكلام بالمعنى المصطلح اختص ورود النقض بالنسبة المذكورة فيما لو وقعت في الجمل الانشائية وكذلك يرد النقض بالاستفهام والتمني والترجي والعرض فإن قولك أريد قائم يشتمل على نسبة إسنادية لها خارج تعلق الاستفهام باعتباره وعلى قياسه الكلام في البواقي والجواب أن المراد بأن يكون لنسبة خارج أن يكون نسبة مقتضية لنسبة خارجية ثبوتية أو سلبية اقتضاء كشفيا لا مجرد أن يكون معتبرة بالقياس إلى الخارج فسقط النقض بالاستفهام وما بعده ثم الظاهر من اقتضاء النسبة كذلك اقتضاؤها بذاتها فسقط النقض بجملة الصلة وما قبلها فإنه وإن صح اعتبارها بالقياس إلى ما هو الواقع في الخارج إلا أنه خارج عن مقتضى ذاتها إذ مفادها بمجرد أخذ أمر لاحقا لأمر من غير اعتبار أنه واقع أو غير واقع ولو حمل النسبة التامة والقيد الأخيرة وهو قولهم يطابقه أو لا يطابقه مستدرك ولأن ذلك قضية ثبوت خارج للنسبة ولهذا تركه بعضهم الثاني أنه قول يحتمل الصدق والكذب فالقول جنس يتناول المهمل في وجه والمستعمل من المفرد والمركب بأنواعهما والمراد به ما يعم الملفوظ والمنوي والمقدر وخرج بقولنا يحتمل الصدق و الكذب ما عدا المركب التام الاسنادي من المفردات والمركبات الانشائية والاسنادية الناقصة فإن شيئا منها لا يحتمل ذلك بيانه أن من أنواع الكلام ما لمدلوله من حيث كون ذلك المدلول خارج عنه فإذا لوحظ المدلول بالقياس إليه جاز أن يطابقه فيكون صدقا وأن لا يطابقه فيكون كذبا ومنها ما ليس كذلك فمفاد قولنا زيد قائم ثبوت القيام لزيد وقيامه به وهذا المعنى وإن كان أمرا ذهنيا إلا أنه مأخوذ بالقياس إلى الخارج ومعتبر بالنسبة إليه فلا جرم كان صالحا للمطابقة وعدمها بخلاف قولك اضرب فإن معناه إيقاع طلب الضرب وإنشائه لا الاخبار عن وقوعه وإن استلزمه وظاهر أن هذا المعنى مما لا خارج له عن نفسه حتى يتصور فيه المطابقة وعدمها وعلى قياسه بقية الانشائيات كصيغ العقود والايقاعات فإن معنى قول القائل بعت أو اشتريت أو هي طالق أو هو حر إنشاء تمليك وإزالة علقة زوجة أو رقبة وأما حصول التمليك وزوال علقة الزوجية والرقية فليس خارج تلك النسبة بل لازمها حيث تصادف الشرائط وبالجملة فمفاد الجمل الانشائية نفس الجعل لا الاخبار عن وقوعه وعلى الحد إشكالات ينبغي إيرادها منها أن احتمال الصدق والكذب إن كان بالنظر إلى اللفظ فاللفظ لا يحتمل إلا الصدق وإن كان بالنظر إلى الواقع فظاهر أن أحد الامرين متعين فيه ولا يحتمل الاخر وجوابه أن مورد الاحتمال مدلول الخبر من حيث ملاحظة العقل إياه مقيسا إلى الواقع مع قطع النظر عما هو الواقع فلا إشكال ومنها أن الخبر إن طابق الواقع لم يحتمل الكذب وإلا لم يحتمل الصدق
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»