المعصوم وهو رد إلى الله ورسوله وأما على طريقة مخالفينا فبأن حجية الاجماع لما ثبت بالكتاب والسنة على ما زعموه كان الرد إليه ردا إليهما لو أن المراد ما دمتم متنازعين والتحقيق أن المتنازعين ليس لهم التمسك بالاجماع إلا بعد الرد ولو في أول الامر وهو كاف في العمل بمقتضى الآية إذ الامر لا يفيد الدوام وأما من عداهم فلم يندرجوا في عنوان المتنازعين حتى يجب عليهم الرد فيجوز لهم التمسك بالاجماع مضافا إلى أن الظاهر من النزاع في شئ هو النزاع في الدعاوي المالية وشبهها وأن الرد بمعنى التحاكم والترافع كما مر التنبيه عليه وثانيا بأن المتنازعين عند التنازع أجمعوا على عدم تعيين أحد الأقوال فلو أجمعوا على أحدها كان ذلك منهم إجماعا على تعيين ما أجمعوا على عدم تعيينه وذلك يوجب تعارض الاجماعين وحيث إنه لا يتطرق إليه النسخ يتعين أن يكون أحدهما باطلا و هو خلاف المذهب وجوابه أما أولا فبالنقض بما قبل زمن استقرار الخلاف وقبل النظر والاجتهاد مع جريان ما ذكر فيه وأما ثانيا فبالحل وهو أن إجماعهم أولا على التخيير مبني على الظاهر كإجماعهم على جواز التعويل على أصل الحل والجواز حيث لا دليل فهو اتفاق على ثبوت حكم ظاهري عند عدم إمكان الوقوف على الواقع و الاحكام الظاهرية يرتفع عند قيام دليل على رفعها ولا يذهب عليك أن الوجهين المذكورين لو تما لدلا على عدم الجواز قبل استقرار الخلاف أيضا وكأنهم لم يلتزموا به محافظة على مذهبهم فإن الاجماع على خلافه الأول إنما انعقد بعد الخلاف إلا أنه في زعمهم لم يكن مستقرا ثم عدم الجواز هنا لعله بمعنى عدم الامكان وإلا فلا معنى لتحريم القول بالحق بعد انكشافه وإلى هذا يرجع ما قيل من أن التخيير مشروط بعدم الاتفاق فينعدم عند عدم شرطه فصل لا كلام في حجية نقل الاجماع بالخبر المتواتر إن كان المنقول اتفاق جماعة أحدهم المعصوم أو نقل به الاتفاق الكاشف عند المخبر وإن لم يكن كاشفا عند المخبرين وأما إذا كان كاشفا عندهم فقط فحجيته مبنية على حجية الاجماع المنقول بخبر الآحاد لان التظافر في العقليات بمجرده لا يوجب القطع ما لم ينضم إليه شواهد خارجية وفي حكم نقله بطريق التواتر نقله بطريق الآحاد مع انضمامه بقرائن العلم وأما الاجماع المنقول بخبر الواحد المجرد عن قرائن العلم ففي حجيته خلاف والظاهر أن هذا النزاع غير متوجه على القول بعدم حجية خبر الواحد كما في السنة كما صرح به بعضهم فأصحاب هذا القول لا يختلفون في عدم حجيته وأما ما يقال من أن طريقة هؤلاء التمسك بالاجماعات المنقولة في كتب من قبلهم وإن لم تكن محصلة عندهم وإنهم كانوا يقدمونها على العمل بظاهر الكتاب فيشبه أن يكون رجما بالغيب مع وضوح ما يتطرق إليه من الريب كما لا يخفى على من وقف على حجيتهم على المنع على أن نقل قول المعصوم المستند إلى الحس أقرب إلى القبول من نقل قوله المستند إلى التتبع والحدس ولذا تراهم يشترطون في التواتر استناد المخبرين إلى الحس نظرا إلى أن التظافر في غير الحسيات لا يوجب القطع غالبا فمنعهم من حجية الأول يقتضي المنع من حجية الثاني بطريق أولى مضافا إلى أن نقل الاجماع لو كان عندهم من الأدلة لتعرضوا لذكره في الكتب الأصولية ولنبهوا عليه في كتب الفقه ومما ينبه على ذلك أن السيد بعد أن منع من حجية الخبر الواحد بين وجه الاستغناء عنه في معرفة الاحكام فذكر لها طرقا ولم يذكر من جملتها نقل الاجماع ولو كان ذلك عنده من جملة الطرق لذكره واستراح به لعظم فوائده وكثرة موارده فاتضح أن النزاع في المسألة مقصور على القول بحجية خبر الواحد ثم الذي يظهر أن المتقدمين على المحقق لم يتعرضوا لهذه المسألة لا عموما ولا خصوصا وأما المحقق فهو إن لم يتعرض لهذه المسألة أيضا بعنوان كلي لكن منع من حجية جملة من الاجماعات المحكية كالاجماع الذي حكاه السيد على دلالة الامر على الفور والاجماع الذي حكاه بعض القائلين بتضييق قضاء الفريضة عليه فرد عليهم بأن الاجماع غير ثابت وأنه حجة في حق من علمه ومثله ما ذكره في رد قول الشيخ بجواز العمل بخبر الثقة الغير الامامي محتجا عليه بعمل الطائفة ولم يعلم منه الاستناد إلى الاجماع المنقول في مقام فيظهر من ذلك مصيره إلى عدم الحجية مطلقا وذهب العلامة في تهذيبه إلى حجيته واختاره في نهايته لكن تردد فيها بعد ذلك على ما يظهر من آخر كلامه واشتهر القول بحجية بين من تأخر عنه إلا أن طريقتهم في الفقه جارية غالبا على عدم الاعتداد به وعدم ذكره في طي الأدلة ورده بمنع ثبوته وعدم تحققه وقل ما تمسكوا به وركنوا إليه مع ما نرى من وفور نقله وكثرة حكايته يعرف ذلك بالتتبع في كتبهم ومصنفاتهم ومبنى ذلك إما على اختلاف آرائهم في حجيته بحسب موارد المنع والقبول أو على قبول حجيته باعتبار نقل الكاشف دون المنكشف فمنعهم له في موارده ناظر إلى المنع من حصول الانكشاف لهم أو أنهم إنما يقولون بحجيته حيث لا يوجد له معارض أو ما يوجب الوهن فيه فحيث منعوا قد صادفوا فيه موهنا أو معارضا وإن لم يصرحوا به أو أنهم إنما يقولون بحجيته حيث يكون وثوق بصحة النقل بأن كون المدعى المقام فيه الاجماع من مظانه وذلك بعد الفحص والاطلاع على اتفاق الكل أو ما يقرب إليه إذ لا يقدح ندرة المخالف لا سيما مع عدم معروفيته بناء على اعتبار الكشف أو مع معروفيته بناء على دخول المعصوم عليه السلام والوجهان الأولان في غاية البعد والأخيران مع تقاربهما قريبان والأول أقرب بل يتعين تنزيل كلامهم عليه لان ذلك قضية إطلاقهم القول بحجيته إذا عرفت هذا فالمختار عندي ما ذهب إليه القائلون بالاثبات لنا أن ناقل الاجماع ناقل لقول المعصوم ولو بالالتزام فما دل على جواز التعويل على نقل الآحاد في السنة يدل على جواز التعويل عليه في الاجماع أيضا بيان ذلك أنا إن عولنا في حجية خبر الواحد في السنة على قاعدة انسداد باب العلم مع العلم ببقاء التكليف فهي على ما حققناه يقتضي جواز التعويل على الظن في الأدلة و لا ريب أن نقل الاجماع مما يظن حجيته لمصير أكثر من أصحابنا المتعرضين له إليه ولا يقدح عدم تعرض الأوائل له لامكان ذهولهم عنه كذهولهم عن غيره مما لم يتنبه له إلا المتأخرون فإن العلم يتكامل بتلاحق الأفكار وتوارد الأنظار مع أن
(٢٥٨)