الاجماع على قولين أو أقوال في موضوع لا يجوز إحداث قول آخر فيه بلا خلاف يعرف فيه بين أصحابنا وعليه أكثر مخالفينا وخالف فيه [في ذلك] بعضهم فذهب إلى جوازه لنا أنه إذا علم بدخول قول المعصوم بين القولين أو الأقوال أو بموافقته لأحدهما كان القول الاخر مخالفا لقوله قطعا فيكون معلوم البطلان فلا يجوز المصير إليه و لا يذهب عليك أن هذا إنما يتم إذا كان الاجماع كاشفا عن الحكم الواقعي وإلا اتجه فيه التفصيل المتقدم وينبغي أن يستثنى من ذلك ما إذا أدى دليل الاحتياط إلى إحداث قول ثالث فإنه يجوز إحداثه وإن كان الاجماع المنعقد في ذلك المقام كاشفا عن الحكم الواقعي كما لو انعقد الاجماع المركب على إباحة شئ أو حرمته أو إباحته ووجوبه فإنه يجوز الحكم في الأول بالكراهة ظاهرا وفي الثاني بالاستصحاب للاحتياط مع القطع بمخالفته للحكم الواقعي و احتج موافقونا من مخالفينا بعموم أدلة الاجماع وهو على عمومه ممنوع إذ من أدلتهم الاجماع على القطع بتخطئة المخالف وهو في المقام غير واضح لتحقق الخلاف فيه بينهم وعدم وضوح قطع الموافق ومنها الاخبار وهي مختلفة المفاد فمنها ما يساعد على التعميم و هي رواية لا تجتمع أمتي على الخطأ بناء على حمل اللام على الجنس كما هو الظاهر ومنها ما لا دلالة عليه وهي رواية لا تجتمع أمتي على خطأ فإن النكرة ظاهرة في الفرد الواحد وأما الآيات فهي صالحة للتعميم كما لا يخفى احتج المجوزون بأن اختلافهم يقتضي أن يكون المسألة اجتهادية وأنه يسوغ العمل فيها بمؤدى الاجتهاد فلا يدل على المنع فيه والجواب أما أولا فبالنقض بالمسائل التي انعقد الاجماع فيها بعد الخلاف مع جريان ما ذكر فيه وأما ثانيا فبالحل وهو أن اختلافهم إنما يدل على جواز العمل بمؤدى الاجتهاد هنا في موضع الخلاف أعني في تعيين أحد القولين أو الأقوال لا في غيره إذ لا خلاف لهم فيه كما أن الاختلاف في النقض المذكور إنما يدل على جواز الاخذ بمؤدى الاجتهاد ما دام الخلاف باقيا لا مطلقا كما سيأتي التنبيه عليه وبالجملة فمفاد الاختلاف في المقامين جواز الاخذ بمؤدى اجتهاد خاص فيقتصر فيه على مورده لا مطلق الاجتهاد كما هو مبنى الاحتجاج الثالث إذا لم يفصل الأمة بين الحكمين أو أحكام في موضوع واحد أو أكثر ولم تفصل بين موضوع أو موضوعات في حكم واحد فهل يجوز لنا التفصيل في ذلك أقوال مثال ذلك أن كل من قال بنجاسة خر الطائر الغير المأكول قال بوجوب التجنب عنه في الصلاة وكل من قال بطهارته قال بعدم وجوب التجنب عنه فيها فالقول بطهارته ووجوب التجنب عنه في الصلاة قول بالفصل أو كل من قال بانفعال القليل قال بحرمة الغناء و كل من قال بعدمه قال بعدمها فالقول بانفعاله وعدم تحريمها أو بالعكس قول بالفصل وقد مر التمثيل بكيفية الاحتياط في الشك فذهب بعض أصحابنا إلى المنع مطلقا ولعله المعروف بينهم وذهب بعض الجمهور إلى الجواز مطلقا وفصل العلامة في النهاية على ما حكي عنه فمنع من إحداث القول الثالث في المسألة مع نصهم على عدم الفصل وإلا جاز ويظهر من تهذيبه تفصيل آخر وهو الفرق بين ما إذا نصوا على عدم الفصل أو اتحد الطريق وبين غيره فمنع في الأول وذهب إلى الجواز في الثاني والتحقيق أنه إن قام دليل من إجماع أو غيره على المنع من التفصيل مطلقا ولو بحسب الظاهر أو قام على أحد القولين أو الأقوال ما يكون حجيته باعتبار إفادة الواقع لم يجز التفصيل وإلا جاز لنا على المنع في الصورة الأولى أما في القسم الأول منها فلانه إذا قام دليل معتبر على المنع من التفصيل ولو عند عدم قيام دليل على أحد القولين أو الأقوال أو الجميع كان التفصيل معلوم البطلان ظاهرا أو واقعا فلا سبيل إلى المصير إليه وهذا واضح وأما في القسم الثاني فلانه إذا كان الدليل موافقا للواقع ومعتبرا من حيث إفادته إياه كخبر الواحد عند عدم المعارض المكافئ كانت دلالته على أحدهما مستلزمة لدلالته على الاخر ولو بمعونة العلم بدخول المعصوم عليه السلام في المجمعين فيكون إثبات الحكم الاخر به من قبيل إثبات اللوازم العقلية لمدلول الخبر أو لوازمه الشرعية أو العرفية به إذ لا فرق بين أن يكون اللزوم مستندا إلى نفس المدلول أو إليه بضميمة مقدمة خارجية كما في تنقيح المناط المتفرع على دليل ظني ويمكن المناقشة في المقامين حيث يثبت الملازمة بواسطة مقدمة عقلية بالمنع ويستند فيه بمسألة القبلة والوقت فإنا قد نعول على الظن في معرفة القبلة ولا نعول على القبلة المظنونة في معرفة الوقت مع جريان الملازمة المذكورة فيه وجوابه أن مسامحة الشارع في معرفة بعض الشرائط لا توجب مسامحته في معرفة غيره لجواز مزيد اعتناء به بخلاف المقام فإن الدليل المثبت لاحد شطري الاجماع صالح لاثبات شطره الاخر ومثله الكلام في تنقيح المناط إلا أنه قد لا يصلح كما لو عارضه ما هو أقوى منه ولنا على الجواز في الصورة الثانية عدم قيام دليل صالح للمنع فيجب اتباع ما يقتضيه الأدلة التي مفادها الظاهر وإن أدى إلى القول بالتفصيل وخرق الاجماع ولا يقدح العلم الاجمالي ببطلان أحد القولين بحسب الواقع لان ذلك لا ينافي صحتهما بحسب الظاهر كما يكشف عنه ثبوت نظائره في الفقه في موارد كثيرة كقولنا بصحة الوضوء بالماء القليل الذي لاقى أحد الثوبين المشتبه طاهرهما بالمتنجس وبطلان الصلاة فيه مع أن هذا التفصيل باطل بحسب الواقع قطعا لان الثوب الملاقى إن كان نجسا بطل الوضوء والصلاة معا وإن كان طاهرا صحا معا وكقولنا فيما لو ادعى الزوجية أحد الزوجين وأنكر الاخر بأنه يلزم المدعي بما عليه من الحقوق والاحكام دون ما له فيلزم فيما إذا كان زوجا بالمهر ويمنع من نكاح أختها وأمها وبنت أخيها وأختها بدون رضاها و الخامسة وفيما إذا كانت زوجة تمنع عن التزويج بغيره ما لم يحصل ما يوجب البينونة على تقدير الزوجية فتمنع حينئذ عن التزويج بابن المنكر وأبيه إلى غير ذلك من الاحكام وبالجملة يعامل المقر منهما على مقتضى أصل الاقرار ويعامل المنكر منهما على مقتضى أصل العدم مع
(٢٥٦)