الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٥٣
كلماته أو بتصريحه بذلك فلا تعلق له بالمقام واحتج بعض العامة على حجية الاجماع السكوتي بأن السكوت دليل الرضا والقبول فعلى هذا يرجع الاجماع السكوتي إلى الاجماع المطلق والجواب المنع بل السكوت أعم من الرضا لاحتماله التوقف أو التمهل للنظر أو لتجديده في حق غير المعصوم أو التقية لخوف الفتنة بالانكار أو لأنه لا يلزم المجتهد الانكار على مثله عند مخالفته لان وظيفة كل الرجوع إلى مؤدى نظره الثالث نقل الشهيد في الذكرى أن بعض الأصحاب ألحق المشهور بالمجمع عليه واستقر به إن أراد الالحاق في الحجية دون التسمية وعلله بأمرين الأول أن عدالتهم تمنع من الاقتحام على الفتوى بغير علم وليس في عدم وجداننا للدليل دلالة على وجوده في الواقع وضعفه ظاهر لان عدالتهم إنما تمنع من الافتاء من غير ما ثبت حجيته عندهم ولا يلزم من ثبوت حجية شئ عندهم ثبوت حجيته عندنا بعد ما ظهر من وقوع الخلاف في الأدلة وقد مر التنبيه على ذلك الثاني قوة الظن في جانب الشهرة أقول هذا التعليل إن لم يجعله مبنيا على قاعدة انسداد باب العلم وبقاء التكليف كما هو الظاهر من بيانه فلا خفاء في سقوطه إذ الأصل عدم جواز العمل بالظن وإن كان قويا ما لم يبلغ درجة العلم وفرضه في المقام يوجب كون الشهرة إجماعا وهو ليس محل البحث وجواز التعويل على خبر الواحد وظاهر الكتاب ليس من جهة كونه مفيدا للظن المطلق أو الظن القوي حتى تيسر الحكم منه إلى الشهرة بل من حيث التعبد أو من حيث كونه مفيدا للظن الخاص فلا يتعدى إلى سائر موارد الظن العارية عن الدليل وإن جعله مبنيا على تلك القاعدة فهو و إن كان مستقيما على طريقة بعض متأخري المتأخرين إلا أنه غير مرضي عندنا لما سنحققه من أن انسداد باب العلم ثابت في الاحكام و الأدلة وبقاء التكليف بهما معلوم وقضية ذلك وجوب التعويل في الاحكام على الأدلة الظنية لا على مطلق الظن في الاحكام وكون الشهرة من جملة تلك الأدلة ممنوع كيف والمشهور بينهم حجيتها و أجاب عن الدليل الثاني في المعالم بأن الشهرة التي يحصل معها قوة الظن هي الحاصلة قبل ومن الشيخ رحمه الله لا الواقعة بعده كما هو الغالب وذلك لان أكثر الذين نشئوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لحسن ظنهم به ثم نقل هذه الحكاية عن جماعة وربما أوهم كلامه هذا التزامه بحجية الشهرة التي كانت قبل زمن الشيخ نظرا إلى إفادتها للظن وهو الذي يناسب احتجاجه على حجية خبر الواحد بانسداد باب العلم إلى الاحكام ووجوب التعويل معه على الظن فيها فيشكل عليه بأن الشهرة بعد الشيخ قد يكون من غير أتباعه فكيف أطلق المنع من حجيتها وقد عرفت مما قررنا ضعف الطريق المذكور من تأمل في عبارة المعالم في المقام وفي المبحث المتقدم عليه وقف على ضعف الوهم المذكور ثم لا يخفى أن ما نسبه إلى العلماء الذين كانوا بعد الشيخ من تقليدهم إياه يشبه أن يكون وهما من حيث إنهم لما وافقوه في المسلك والطريقة غالبا أفضى ذلك إلى موافقتهم له في الاحكام أيضا غالبا فأشبه ذلك في بادي النظر أنهم إنما عولوا فيها على تقليده مع أن فتاوى الشيخ مختلفة ولو كان تعويلهم على تقليده لوجب عليهم الرجوع إلى رأيه المتأخر مع وضوح خلافه بل قد خالفوا الشيخ في بعض المواضع كما نبه عليه بعضهم ثم هذا لا يجامع ما اشتهر بينهم من عدم جواز تقليد الأموات إلا أن يكون مع إعواز المجتهد الحي في زمانهم وهو بعيد وقد يستدل على حجية الشهرة بعموم قوله خذ بما اشتهر بين أصحابك وقوله عليه السلام واترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه فإن ما من أداة العموم فيتناول الشهرة في الفتوى أيضا وأيضا يتناوله عموم المجمع عليه فإن المراد به المشهور أو ما أجمع عليه الأكثر لا ما اتفق عليه الكل كما هو الظاهر لمنافرته لتعليل الاخذ بالمشهور به وأيضا تعليق الحكم بعدم الريب على الوصف أعني المجمع عليه بالمعنى الذي سبق يدل على أنه كذلك من حيث قيام المبدأ به فيدل على ثبوت الحكم للمقام أيضا لاشتراك العلة ثم المفهوم من التعليل المذكور أن حجية الشهرة ليست من حيث نفسها بل من حيث كونها مفيدة للظن لأنه المراد بنفي الريب عنه فيوافق ما مر في الدليل الثاني وجوابه أن المراد بالموصولة في المقامين الرواية دون الفتوى بقرينة أن السؤال عن تعارض الروايتين وما يقال من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد إنما يتم مع وجود ما يقتضيه في اللفظ وهو منتف في المقام لسبق الرواية بالذكر بحيث يصلح للعهد إليها وقد اعترفوا في محله أن الموصولات إنما تفيد العموم حيث لا عهد وإشعار الدليل ضعيف سلمنا لكن سند الرواية قاصرة عن التعويل عليها والعمل بها إنما يوجب الانجبار في محله ولا سبيل إلى التعدي عنه ولو سلم فمخالفتها للمشهور بالنسبة إلى المقام يوجب طرحها فيه كما سنشير إليه وقد يورد على القائلين بحجية الشهرة بأنها لو كانت حجة لزم من حجيتها عدم حجيتها لان المشهور عدم حجيتها وما يلزم من وجوده عدمه فهو ممتنع وأجيب بوجوه الأول ما ذكره بعض المعاصرين من أن الشهرة التي نقول بحجيتها هي الشهرة في الفروع والشهرة التي انعقدت على عدم حجية الشهرة إنما هي الشهرة في الأصول ولا نقول بحجيتها حتى يلزم منه عدم حجيتها في الفروع وفيه نظر لان الحجتين اللتين تمسكوا بهما على حجية الشهرة إن تمتا لدلتا على حجيتها في الأصول أيضا فإن عدالتهم كما تمنع من الاقتحام على الفتوى من غير دليل في الفروع كذلك تمنع منه في الأصول أيضا ودليل انسداد باب العلم مشترك بين مباحث الأصول والفروع كما سيأتي تحقيقه في محله والظن بالشهرة حاصل في المقامين الثاني أن الحجة إنما تنهض بحجية كل شهرة تفيد الظن بموردها والشهرة التي انعقدت على عدم حجية الشهرة مما لا تفيد الظن به فلا يصح التعويل عليها في منع حجية الشهرة وفيه أيضا نظر لان الشهرة في نفسها تفيد الظن ما لم يقدح فيها قادح وليس في مقابلة هذه الشهرة ما يصلح للقدح فيها سوى الأصل أعني أصالة عدم قيام دليل على عدم حجيتها بعد انسداد طريق العلم بناء على حجية كل ظن لا دليل على عدم حجيته حينئذ كما هو قضية ما قرروه في الطريق العقلي أو عموم الرواية على تقدير تسليم شمولها للمقام وشئ منهما لا يصلح للقدح أما الأول فلان مرجعه إلى عدمه العلم وهو لا يصلح لمعارضة أمارته وإلا لانتفي فائدة القول بحجية الشهرة وأما الثاني فلانه مجرد عموم ولا ريب في رجحان الدليل الخاص
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»