الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٢٦
كالمجمل ويشكل الحد بعدم شموله لمبين الفعل مع أن قضية المقابلة شموله له إلا أن ينزل على القول بعدم شمول المجمل له ثم المبين القولي ينقسم إلى نص ويسمى بالمحكم أيضا وهو ما يدل على معنى معين ولا يحتمل خلافه في متفاهم أهل الاستعمال سواء كان ذلك في نفسه أو بمعونة القرائن وإلى ظاهر وهو ما يدل على معناه مع احتمال غيره إذا كان الاحتمال مرجوحا وقد يطلق المحكم على ما يعم القسمين ويسمى الطرف المرجوح مؤولا وعرف بالمعنى الثاني بالاعتبار الثاني بأنه ما دل على المراد بخطاب لا يستقل بنفسه في الدلالة على المراد واعترض على طرده بالكلام الدال على المعنى الذي أريد بالمجمل إذا لم يقصد به بيانه كما لو رأى ذهبا فقال رأيت عينا ثم قال رأيت ذهبا ولم يقصد بالثاني بيان الأول فلا بد في إخراجه من زيادة قولنا من حيث إنه كذلك أي مراد بذلك الخطاب فإنه في الفرض المذكور وإن دل على المراد إلا أنه لا يدل عليه من حيث إنه مراد وفيه نظر لأنا لا نسلم أنه لا يسمى حينئذ مبينا فإن الذي يظهر من عرف القوم أن العبرة في صدق المبين على مجرد كونه مبينا سواء قصد به البيان أو لم يقصد ولولا ذلك لاشكل الحال في كثير من المبينات للشك في تعلق القصد فيها بالبيان ولئن سلمناه فلنا أن ندفع النقض باستفادة الحيثية من تعليق الدلالة على الوصف أعني المراد حيث إن فيه إشعارا بالحيثية لكن لا يجدي ذلك إلا بعد تخصيص الدلالة في صدر الحد بالدلالة المقصودة وعلى عكسه أولا بالترجمة لمن خوطب بلغة لا يعرفها لكذب الحد عليه إذ يصدق على الخطاب بتلك اللغة أنه تستقل بالدلالة بالنسبة إلى العارف بها فلا بد من تقييد قوله يستقل بنفسه بقولنا بالنسبة إلى المخاطب ويمكن دفعه بأنه كما يصدق على تلك اللغة أنها تستقل بالدلالة ولو بالنسبة إلى العارف كذلك يصدق عليها أنها لا تستقل بالدلالة ولو بالنسبة إلى غير العارف فنمنع كذب الحد عليه لكن يرد على هذا التوجيه أمران الأول أنه خروج عن ظاهر اللفظ فإن المفهوم من قولنا لا تستقل عدم استقلاله عند كل أحد لوقوعه نكرة في سياق النفي فيقتضي العموم بخلاف قولنا يستقل بالدلالة فإنه يكفي في صدقه حصوله ولو عند البعض ولا يشكل الحال بالمجمل حيث يكون المتكلم مثلا عالما بالمراد لان المراد عدم استقلاله من حيث الدلالة ولو بضميمة ما اعتراه من الحالة وهذا مما لا يختلف بالنسبة إلى المتكلم وغيره الثاني أن التأويل المذكور وإن حافظ على عكس الحد من هذه الجهة إلا أنه يوجب فساد الطرد من حيث صدقه على الترجمة المذكورة بالنسبة إلى العارف باللغة لصدق عدم استقلال الخطاب بها بالدلالة ولو بالنسبة إلى غيره مع أنه لا يسمى مبينا بهذا الاعتبار ويمكن دفعه بأن الظاهر من مساق الحد اعتبار الدلالة وعدم الاستقلال بالنسبة إلى من اعتبر البيان بالقياس إليه فلا إشكال وبهذا الجواب يندفع أصل الاشكال أيضا فيمكن الاكتفاء به عن الجواب المذكور وثانيا ببيان المراد من العام المخصوص فإنه مبين قطعا مع كذب الحد عليه فإن العام يستقل بالدلالة على القدر المراد و قد يدفع هذا بأن المراد بالدلالة دلالة المطابقة ودلالة العام على البعض المقصود إنما هي بالتضمن وهذا مع عدم اطراده في ألفاظ العموم كما عرفت سابقا إنما يستقيم إذا فسرت المطابقة بدلالة اللفظ على تمام معناه لا بدلالته على تمام ما وضع له كما هو المعروف ثم لا يذهب عليك أن الاشكال ببيان العام المخصص يتجه باعتبارين باعتبار عدم دخول العام المخصص في الخطاب الذي لا يستقل بالدلالة على المراد وجوابه ما مر والثاني باعتبار أن المبين المذكور لا يدل على المراد من الخطاب بل على ما ليس بمراد وهذا لا يندفع بما مر بل الجواب عنه أن المراد بالمراد إنما هو تمام المراد من حيث إنه تمامه أعني المراد المطابقي ومرجعه إلى المراد بشرط لا ولا ريب أن المخصص يدل على المراد بالعام بهذا الاعتبار والعام لا دلالة له عليه كذلك فيندفع به الاشكال الأول أيضا وثالثا ببيان وجوه الفعل فإنه بيان مع أن الفعل ليس بخطاب ويمكن دفعه بأن الاجمال في الفعل يرجع إلى الاجمال في دليله اللفظي أعني دليل التأسي وهو خطاب فيكون المبين مبينا له ولو قيل بأنه يسمى حينئذ مبينا من حيث بيانه للفعل أيضا وإن قطع النظر عن الدليل اللفظي ولا يتناوله الحد لأمكن دفعه بأن المعتبر في عكس الحد شموله لافراد المحدود بحسب ذواتها لا بجميع ما يلحقها من الاعتبارات ثم المبين قد يكون كاشفا عن المراد بالمجمل وهذا يكفي فيه أن يكون له ولو أدنى درجة الاعتبار سندا ودلالة وقد يكون كاشفا عن المراد بغير المجمل مما له ظاهر وهذا يعتبر فيه أن يكون أقوى منه في الدلالة فلو ساواه كالعامين من وجه امتنع الترجيح وأن يكون مساويا إياه في السند إن كان ناسخا أو أقوى دون العكس عند من منع من نسخ القطعي بالظني وكذا إذا كان مخصصا عند من منع تخصيصه به أيضا ثم المبين يصح أن يكون قولا اتفاقا وفعلا على الأصح وخالف فيه بعضهم تمسكا بأن الفعل يطول والبيان به يستلزم تأخيره مع إمكان تعجيله وأنه غير جائز و المقدمات الأربع كلها ممنوعة مضافا إلى ما سنبين من وقوعه المستلزم لجوازه ثم كون الفعل مبينا قد يعلم بالضرورة من قصده وقد يعرف بالنظر كما لو أمر بمجمل ثم فعل في وقت الحاجة ما يصلح أن يكون بيانا له فيعلم كونه مبينا له لأنه لولاه للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وقد يعلم بتصريحه كما في قوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي فإنه ليس بيانا بل دليل على كون الفعل بيانا ويحتمل بعيدا جعل المجموع بيانا وقد يعلم بغير ذلك و قد يتركب من القول والفعل كما لو بين بعضا بالقول وبعضا بالفعل ثم لا نزاع عند العدلية في عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة على ما حكاه جماعة وهو ليس على ظاهر إطلاقه للقطع بأن كثيرا من الاحكام لم يبلغ بيانها إلى آحاد المكلفين بل المراد إما عدم جواز تأخير بيان الحكم الذي تعلق بالمكلف تعلقا فعليا واقعيا كان أو ظاهريا فيصح أن يكون عدم جواز التأخير حينئذ بمعنى مانعية التأخير عن
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»