المجرد حملا لفعل المسلم لا سيما الثقة على ظاهره وهو بعيد نعم لو صرح راوي العام بعرائه عن المخصص حصل التعارض بين نقله و نقل الاخر للمخصص ويمكن ترجيح الثاني لتقدم المثبت على النافي والأظهر الحمل على النسخ الثالثة أن يعلم تأخر العام عن الخاص فإن علم تقدمه على زمان العمل به تعين أن يكون تخصيصا بناء على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل وإن أجزناه أو علم تأخره عنه تعارض عموم الخاص باعتبار دلالته على ثبوت حكمه بحسب جميع الأزمان وعموم العام باعتبار دلالته على ثبوت حكمه بحسب جميع الافراد والظاهر ترجيح التخصيص على النسخ وقيل بل يرجح النسخ وهو محكي عن الشيخ ومنهم من توقف لنا أن التخصيص أقرب من النسخ في النظر لغلبته وندرة النسخ بالنسبة إليه فإن أكثر العمومات الواردة في الشريعة مخصصة وقل من الاحكام ما هي منسوخة فيتعين الحمل عليه ولأن التخصيص دفع للامر الغير الثابت والنسخ رفع للامر الثابت فيترجح احتماله عليه ولأن في التخصيص جمعا بين الدليلين وفي النسخ إهمال لأحدهما ولا ريب أن الجمع أولى من الاهمال وفي الوجهين الأخيرين نظر أما في الأول فلان الاعتبار إن كان بالظاهر فلا ريب أن كلا من النسخ والتخصيص رفع حيث أنهما يرفعان ما ثبت في الظاهر من عموم الحكم للأفراد كما في التخصيص أو للأزمان كما في النسخ وإن كان بالنسبة إلى الواقع فظاهر أن كليهما دفع للامر الغير الثابت فيه من التناول لجميع الافراد أو الأزمان لظهور أن الحكم غير ثابت فيهما واقعا وإلا لزم البدأ ويمكن دفعه على الأول بأن العام المتأخر لا ظهور له في العموم أصلا لسبق الخاص بخلاف عموم الخاص المتقدم فإنه حين وروده لا معارض له فيثبت له ظهور في الجملة وعلى الثاني بأن النسخ رفع للحكم الثابت واقعا ضرورة ثبوته كذلك قبله وإن كان ثبوته بحسب زمن النسخ مبنيا على الظاهر أو يلتزم بأن الحكم المنسوخ ثابت بحسب الواقع مطلقا ورفعه بالنسخ لا يوجب البدأ لأنه عبارة عن تغير العلم أو الإرادة الحقيقية والتكليف عبارة عن الإرادة الالزامية الابتلائية وأما في الثاني فلانا لا نسلم أن النسخ يقتضي إهمال أحد الدليلين بمعنى إلغائه رأسا و إنما يوجب إهمال عمومه للزمن المتأخر وهذا حاصل في التخصيص أيضا واحتج القائل بالنسخ بوجوه الأول أن من قال اقتل زيدا ثم قال لا تقتلوا المشركين كان ذلك بمنزلة أن يقول لا تقتل زيدا ولا عمرا إلى آخر الافراد فكما أن الثاني لا يحتمل إلا النسخ فكذا الأول لأنه بمنزلته والجواب منع عموم المنزلة والتساوي في جميع الأحكام فإن افتراقهما بالاجمال والتفصيل يوجب جواز التخصيص في الأول دون الثاني الثاني أن المخصص للعام مبين له فلا يصح تقدمه عليه والجواب أن تقدمه عليه ذاتا لا غبار عليه وإنما الممتنع تقدمه عليه بصفة البيانية وهو غير لازم على تقدير التخصيص فإن وصف التخصيص إنما يعرض له بعد ورود العام الثالث لو لم يكن العام المتأخر ناسخا لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب وإنه غير جائز وجوابه بعد المنع من عدم جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما سيأتي أن هذا ليس من باب تأخير البيان بل هذا من باب مقارنة البيان لمقارنة المبين له من حيث كونه مبينا وإن تقدم عليه من حيث ذاته وأما مناقشة بعض المعاصرين فيه بأن دعوى المقارنة وهم فإن وصف البيانية متأخرة عن المبين طبعا فوهم واضح لان المراد بها المقارنة العرفية كما هو الظاهر من إطلاقها في مثل المقام لا المقارنة العقلية أعني المقارنة بحسب الرتبة يدلك على ذلك أنهم جعلوا الصورة الأولى من باب المقارنة وليست المقارنة فيها غالبا إلا عرفية كما نبهنا عليه هذا ومما بيناه يظهر أيضا فساد توجيه بعضهم للدليل بأن المراد عدم جواز إخلاء العام عند إرادة التخصيص عن بيانه إذ لا نسلم أن العام حينئذ خال عن بيان التخصيص ووجهه ظاهر مما مر الرابع كما أن الخاص المتأخر يبطل حكم العام المتقدم لكونه منافيا متأخرا فكذلك العام المتأخر يبطل حكم الخاص المتقدم لكونه أيضا منافيا متأخرا وهو معنى نسخه له والجواب أن إبطال الخاص لحكم العام المتقدم ليس لمجرد كونه منافيا متأخرا بل ذلك مع قوة دلالته وعدم صلوح العام المتقدم لابطاله لأدائه إلى إلغاء دليل الخاص رأسا وشئ منهما غير متحقق في العام المتأخر الخامس ما نقل عن ابن عباس من قوله كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث والجواب منع ثبوت النقل المذكور وعلى تقدير تسليمه لا نسلم صحة التمسك به إذ لا تعويل عندنا على مقالة ابن عباس وفعله وبعد التنزل ننزل كلامه على الصور التي لا يحتمل التخصيص وإن جهل تقدمه على زمن العمل أو تأخره عنه كان حكمه حكم الجهل في الصورة السابقة الرابعة أن يجهل تقارنهما وتفارقهما على الوجه المذكور سواء علم تاريخ صدور أحدهما أو لم يعلم وعلى ما حققناه في الصور السابقة من ترجيح التخصيص على النسخ ما لم يتبين الخلاف يترجح هنا احتمال التخصيص مطلقا مع احتمال ترجيح النسخ حيث يعلم تاريخ العام ولا يعلم تاريخ الخاص نظرا إلى أصالة تأخره فيقارن آخر زمن العمل بالعام لان كلا منهما حادث دون زمن ورود العام للعلم بسبقه على زمن العمل بخلاف الخاص فإنه لا علم بسبقه على زمن العمل بالعام ولو عين مع ذلك الزمن الذي يقتضي العام وقوع العمل به فكان الاحتمال المذكور أظهر لكن مع معارضته ذلك بأظهرية التخصيص من جهة الغلبة لا جدوى فيه يعتد بها غالبا إذ لا بد من الاخذ بالخاص ورفض العلم بالعام في مورده على التقديرين وإن قدر كون العام قطعيا والخاص ظنيا لان أصالة التأخر لا يصلح حجة لاهمال الدليل مع ظن حجيته وما يقال من أن الخاص المتأخر إن كان واردا قبل حضور وقت العمل كان مخصصا وإن كان واردا بعده كان ناسخا ويبتني حجيته على الثاني على ما إذا كان الخاص قطعيا أو كان العام
(٢١٦)