الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٠١
الإشارة من المتتبعين منهم إلى المعارض حيث يكون وظيفتهم ذلك كما في بعض الكتب الاستدلالية ونحو ذلك احتج المجوزون مطلقا بأنه لو وجب البحث عن المخصص في التمسك بالعام لوجب البحث عن المجاز في التمسك بالحقيقة أيضا والتالي باطل بالاتفاق بيان الملازمة أن إيجاب طلب المخصص إنما هو للتحرز عن الخطأ وهو موجود في المجاز أيضا والجواب الالتزام بالتالي والمنع من الاجماع المدعى على بطلانه كما ذكرنا آنفا وقد يجاب بالفرق بين المقامين بأن التخصيص قد بلغ في الشيوع إلى حيث قيل ما من عام إلا وقد خص فصار حمل اللفظ على العموم مرجوحا في النظر قبل البحث عن المخصص بخلاف الحقيقة فإن أكثر الألفاظ محمولة على الحقائق وما يقال من أن أكثر اللغات مجازات فمحمول على المبالغة أو أن المراد أن أكثر الألفاظ لها معان مجازية أو مطروح بشهادة الوجدان على خلافه وإلى هذا يرجع ما قيل من أن التخصيص أكثر وقوعا من غيره من أنواع المجاز فحصول الظن بعدم الثاني قبل الفحص لا يوجبه في الأول وهذا الفرق وإن كان في نفسه ضعيفا إلا أنه ينهض جوابا عن الدليل المذكور وزاد بعض المعاصرين جوابا ثالثا وهو الفرق بين المقامين بقيام الاجماع على عدم وجوب البحث في الثاني على تقدير تسليمه دون الأول وكأن مقصوده أن التعليل المذكور وإن كان في نفسه عاما لكنه دليل ظاهري فيجب قصره على مورد لا دليل فيه على خلافه ورابعا وهو الفرق بين المقامين من حيث إن التخصيص قد بلغ في الكثرة إلى حيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها لاحتمال الحقيقة فيحتاج إلى الفحص بخلاف سائر أنواع المجاز وهذا الوجه قد ذكره صاحب المعالم أيضا ويشكل بأن التخصيص لو كان من هذا القبيل لكان العام من قبيل المجمل في عدم تعين شئ من إرادة العموم أو الخصوص منه إلا بدليل كما هو شأن المجمل ولما كفي في المصير إلى العموم مجرد عدم وجدان المخصص كما لا يخفى في المصير إلى الحقيقة المرجوحة مجرد عدم القرينة على المجاز الراجح عند القائلين بمساواة احتماله لاحتمال الحقيقة ويمكن الجواب بأن غلبة ورود التخصيص على العمومات معارضة بغلبة مصادفة المخصص على تقدير وجوده فيتكافئان بعد الفحص ويبقى ظاهر العموم سليما عن المعارض لكن يشكل بجريان مثل ذلك بالنسبة إلى قرينة كل مجاز راجح فلا يتم دعوى المساواة واستدل بعض المتأخرين على عدم وجوب البحث عن المخصص بل مطلق المعارض بوجوه أخر منها إجماع أصحاب الأئمة والتابعين على ذلك حيث إن أحدا منهم لم يطلب في مسألة تشاجروا فيها النظرة من صاحبه حتى يبحث عن المعارض والمخصص بل كان يسكت أو يتلقى منه بالقبول وإلا لنقل خلافه إلينا وإذ ليس فليس ومنها أن الأصول الأربعمائة كلها لم تكن موجودة عند أكثر أصحاب الأئمة بل بعضها كما يشهد به التفحص في أحوال الرجال والأئمة عليهم السلام كانوا يعلمون بأنهم يعملون بما عندهم فلو لم يجز ذلك لأمروهم بتحصيل الكل ولنهوهم عن العمل بالبعض إذ لا يتم البحث عن المخصص إلا بتحصيل الجميع ومنها آية التثبت حيث تدل بمفهومها على عدم وجوب التثبت في خبر العدل والبحث عن المخصص والمعارض تثبت فيكون منفيا بمفهوم الآية ومنها آية النفر حيث تدل على وجوب التحذر عند إنذار الواحد من غير تقييد بالبحث عن المعارض والمخصص و الجواب أما عن الأول فبأن ما ذكر فيه لا يدل على إجماعهم على المقصود لان الغالب في مقام التحاج سكوت أحد المتحاجين وذلك لا يقتضي علمه بصحة مذهب الخصم بل لعدم علمه بفساده على أن أكثر المتأخرين منهم كانوا متفحصين في الاخبار متتبعين في الآثار و كانوا مع ذلك مستحضرين إياها بجملتها أو بأكثرها ولو بحسب موادها ومفادها فيجوز أن يكون عدم مطالبتهم بالتوقف اكتفاء منهم بعدم وجدان المعارض بعد الفحص فيما حفظوه وتذكروه منها أن ذلك كثيرا ما يوجب الوثوق بعدم المعارض ولا يستدعي حصوله كثير زمان ولو صدر منه مطالبة ذلك أحيانا فليس في نقله ما يقضي العادة بوقوعه وأما عن الثاني فبأن الظاهر من تعويلهم على بعض تلك الأصول أنه كان لوثوقهم بما فيه فإن أكثر العمومات بل مطلق الظواهر كانت في الصدر الأول محفوفة بقرائن حالية أو مقالية موجبة لتعيين المعنى المراد منها من غير حاجة إلى كثير تتبع ومزيد تفحص وهذا بخلاف ما نحن فيه من الاختلاف والخلاف و انقطاع أكثر القرائن والامارات لتباعد العهد المقتضي لعدم الوثوق بالمراد وكثرة الوسائط الموجبة لالتباس حال العادل بالفاسق و الكذوب بالثقة وغير ذلك بحيث لا يحصل لنا وثوق بشئ منها بدون الفحص والتتبع فلا سبيل إلى مقايسة حالنا بحالهم وأما عن الثالث فبعد تسليم دلالة الآية على عدم وجوب التبين والتثبت في خبر العدل حتى في مثل المقام أن المفهوم منها عدم وجوب التثبت فيه من حيث كونه خبرا بمعنى حمله على الصدوق وتلقيه بالقبول من حيث الصدور لا من حيث كونه مخبرا أعني من حيث دلالته وإن كانت ظنية أو احتمالية وهذا ظاهر في نفسه ويؤكده التعليل المذكور بعده مع أنا كثيرا ما نعول على خبر من لم يثبت عدالته أو غير العدل ولا يجري فيه الوجه المذكور وأما عن الرابع فبعد المساعدة على تناوله للمقام أن الانذار إنما يتحقق بعد تحقق المعنى المراد من اللفظ والكلام في تحققه حجة من اعتبر القطع بعدم المخصص بأن القطع مما يتيسر حصوله بالفحص لان الحكم المستفاد من العام إن كان مما كثر البحث عنه ولم يطلع على ما يوجب تخصيصه فالعادة قاضية بالقطع بانتفائه وإلا فبحث المجتهد يوجب القطع بانتفائه إذ لو أريد بالعام الخاص لأطلع عليه إذ الحكم مع عدم اطلاعه على المخصص هو العموم قطعا والجواب أن عدم الاطلاع مع كثرة بحثهم أو بحثه عنه لا يوجب القطع بالعدم إن أريد عدمه حقيقة إذ غاية ذلك عدم الوجدان وهو لا يقتضي عدم الوجود وإن أريد أنه عند عدم ما يوجب القطع بعدمه يكفي عدم وقوف المجتهد عليه بعد الفحص في القطع بوجوب البناء على عدمه والتعويل على العموم في العمل أو في الحكم الظاهري عاد
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»