الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٥٦
جزئياته فيلزم ثبوت زيد لعمرو وبكر وغيرهما لثبوته للصديق الثابت لهم وفيه نظر لان ما ذكر في بطلان التالي إنما يتجه إذا كانت القضية كلية وهي ممنوعة إذ ليس في اللفظ ما يوجبها واحتجاج بعض المعاصرين عليها بأنه إذا لم يكن نفس حقيقة الجنس لكان مصداقه وهو ليس بفرد خاص لعدم العهد وعدم فائدة في الحمل على العهد الذهني فيحمل على الاستغراق مردود بأنا لا نسلم عدم الفائدة على تقدير الحمل على العهد الذهني إذ مفاده حينئذ اتحاد المحكوم به يفرد من أفراد المحكوم عليه وكذا إذا حمل على الاهمال نعم ربما يشكل من جهة التركيب حيث إن العهد الذهني في معنى النكرة فربما منع الاخبار عنه بالمعرفة الصرفة أو نختار حمل اللام على الجنس ولا يلزم من اتحاده مع الفرد باعتبار الخارج كما هو قضية الحمل المتعارف الحصر لجواز اتحاده أيضا مع غيره من الافراد مضافا إلى ما عرفت من استبشاع الحمل على الاستغراق الافرادي احتج الخصم بأنه لو كان العالم زيد مفيدا للحصر لكان العكس وهو قولنا زيد العالم مفيدا له أيضا وأنهم لا يقولون به أما الملازمة فلاشتراك المستند فإنهم تمسكوا على إفادته للحصر في صورة التقديم بأن العالم لا يصلح للجنس لأنه ماهية كلية ويكذب الاخبار عنه بأنه زيد الجزئي ولا للعهد إذ التقدير انتفائه فيتعين الحمل على الاستغراق فيفيد أن كل ما صدق عليه العالم زيد وهو معنى الحصر و هذا بعينه آت في صورة التأخير أيضا وأيضا لو كان الأول مفيدا للحصر دون الثاني لكان التقديم والتأخير مغيرا لمفهوم الكلمة والتالي باطل بيان الملازمة أن الفرض تساوي المركبين إلا في التقديم والتأخير فلو اختلفا في إفادة الحصر لكان من جهة ما يختلفان فيه لامتناع أن يختلفان من جهة ما يتساويان فيه وأما بطلان التالي فلان التقديم والتأخير إنما يغير الهيئة التركيبية دون مداليل المفردات وأجيب عن الأول بأن الوصف إذا وقع محكوما عليه كان معناه الذات الموصوفة بالوصف العنواني وإذا وقع محكوما به كان معناه ذات موصوفة به وهو عارض للأول فالاتحاد مع الذات الموصوفة يقتضي الحصر بخلاف الاتحاد مع عارض له فإنه لا ينافي مشاركة معروض آخر له فيه واعترض عليه التفتازاني بأنه إنما يتجه في الوصف المنكر دون المعرف فإن معناه الذات الموصوفة فردا أو جنسا فلا يتم الفرق ورده المحشي الشيرازي بأن هذا إنما يراد إذا كانت اللام موصولة وأما إذا كانت للتعريف فلا فرق بين حمل المعرف بها وبين حمل المنكر في كون المحمول فيهما المفهوم دون الذات و هذان التفصيلان مردودان بأنه لا فرق في المقام بين الوصف المنكر و غيره من المحلى بلام الموصولة وغيرها في أن المفهوم منه عند الحمل هو المفهوم وتحقيق المقام وتنقيح المرام أنه قد اشتهر في مسألة الوضع والحمل بين أهل العلوم لا سيما المنطقيين منهم قاعدتان إحداهما أن المراد بالموضوع الفرد أو الافراد وبالمحمول المفهوم أي المفهوم الكلي والثانية أن المراد بالموضوع الذات وبالمحمول الوصف فظن جماعة في القاعدة الأولى أن الفرد أعني الجزئي الحقيقي لا يقع محمولا البتة بل ادعى المحقق الشريف عليه الضرورة حيث أحال الامر فيه إلى مراجعة الفطرة السليمة وظن بعضهم في القاعدة الثانية كالفخر الرازي على ما نسب إليه أن الاسم في مثل هذا المنطلق زيد يتعين للابتداء لدلالته على الذات والصفة للخبرية لدلالتها على أمر نسبي أي معنى قائم بغيره في الخارج كما يظهر من مقابلته بالذات لا أنه يدل على الحدث المنسوب إلى الغير كما نقول به في الفعل لظهور فساده لان ما عدا الافعال من المشتقات لا تتضمن نسبته وكلاهما فاسد أما الأول فلان ضرورة الوجدان قاضية بأنه كما يجوز أن يقال زيد بعض الانسان بجعل زيد موضوعا كذلك يجوز أن يقال بعض الانسان زيد بجعله محمولا من غير تأويل والسر في ذلك أن قضية الحمل على ما صرحوا به إنما هو إثبات المحمول للموضوع بمعنى إفادة أن الامرين المتغايرين في الذهن حقيقة أو اعتبارا متحدان في الخارج وظاهر أن هذا المعنى لا يقتضي أن يكون شئ من الطرفين كليا فيجوز أن يكونا كليين أو جزئيين أو متخالفين كما في قولك الانسان حيوان ناطق إذا أردت بهما نفس الحقيقتين وقولك هذا هو الذي أكرمك بالأمس فإن المراد بالموصولة الشخص المعهود ولا ريب أنه محمول بهذا الاعتبار نعم القضايا المتعارفة في العلوم والمتداولة على ألسنة أهلها بل الغالبة في محاورات أهل العرف أيضا هي التي تكون موضوعاتها الفرد أو الافراد ومحمولاتها المفاهيم الكلية وعلى هذا ينزل قاعدتهم الأولى لا غير لا يقال جواز وقوع الجزئي محمولا يوجب كونه كليا لصدقه حينئذ على الكثيرين من موضوعات يصح أن يحمل عليها مثلا يصدق زيد على بعض الانسان وبعض الحيوان وبعض الكاتب وغير ذلك فينتقض به الحدان لأنا نقول الكثرة المأخوذة في الحدين هي الكثرة باعتبار الافراد حقيقة كانت أو تقديرية أو فرضية وبعبارة أخرى هي الكثرة بحسب ظرف الصدق لا الكثرة بمجرد المفهوم وحينئذ فلا إشكال وأما الثاني فلان منشأه عدم تحقيق معنى الذات والوصف في كلامهم ومجمل القول فيه أن الذات كما تطلق عندهم على الحقيقة المتأصلة في الخارج ومنه الذاتي الذي يقابلون به العرضي و الوصف على المعنى الغير المتأصل فيه ويرادفه العرضي كذلك يطلق الذات على المفهوم المتأصل في اللحاظ إلى الملحوظ على الاستقلال والوصف على المعنى الملحوظ تبعا ولاحقا للغير من غير فرق بين أن يكون المفهوم أو المعنى ذاتا أو صفة وهذا هو الذي ينبغي أن يكون مقصودهم في المقام دون المعنى الأول لظهور بطلانه واتضاح فساده فالموضوع في قولك كل كاتب إنسان أفراد الكاتب وهي وإن كانت في الخارج عرضية لافراد الانسان لكنها لوحظت في القضية مستقلة أي غير لاحقة لغيرها ومفهوم الانسان وإن كانت حقيقة مستقلة في الخارج متأصلة فيه إلا أنه لوحظ باعتبار كونه ثابتا لغيره لاحقا له ولو قلنا بأن النسبة الحكمية قائمة بالمحمول متعلقة بالموضوع كما صرح به بعضهم كان ذلك أوضح كما لا يخفى وإذا عرفت هذا ظهر لك أن
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»