وليس لهم أن يقولوا: أي حاجة به إلى التمييز، وأي شئ فعله كان الواجب، وذلك أن الامر إذا كان على ما ذكروه، فهو تصريح بوجوب الثلاث، لأنه إذا كان أي شئ فعله منها فهو الواجب، فهل هذا إلا تصريح بأن الكل واجب.
فإن قالوا: ليس يمتنع أن يكون اختيار المكلف له علما على وجوبه وتعينه، قلنا: هذا يؤدي إلى مذهب مويس بن عمران، في أن الله - تعالى يكلف العبد أن يختار ما يشاء من العبادات، ويكون مصلحة باختياره، لان الله - تعالى - علم أنه لا يختار إلا الصلاح من غير أمارة مميزه متقدمة. ويلزم عليه أن يكلف تمييز نبي صادق مما ليس بنبي من غير أمارة ولا دلالة مميزة متقدمة.
وبعد، فإن اختيار المكلف إنما يكون تابعا لأحوال الفعل وصفاته، و لا تكون أحوال الفعل تابعة لاختيار المكلف وإرادته، ألا ترى أن وجوب الفعل هو الداعي إلى اختياره له على غيره، فيجب أن يتقدم العلم بالوجوب على الاختيار، ولا يجعل الاختيار متقدما على الوجوب.