أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٩٥
((سورة التغابن)) * (يسبح لله ما فى السماوات وما فى الا رض له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير * هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير * خلق السماوات والا رض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير * يعلم ما فى السماوات والا رض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور * ألم يأتكم نبؤا الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم * ذالك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غنى حميد * زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) * قوله تعالى: * (يسبح لله ما فى السماوات وما فى الا رض له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) *. تقدم معنى التسبيح ومدلول ما في السماوات وما في الأرض في أول سورة الحشر والحديد، وهذه السورة آخر السور المفتتحة بالتسبيح. والفعل هنا بصيغة المضارع الدال على التجدد والحدوث. والتذييل هنا بصفات الكمال لله تعالى بقوله: * (له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) * للإشعار بأن الملك لله وحده لا شريك له: نافذ فيه أمره ماض فيه حكمه بيده أزمة أمره، كما في قوله تعالى: * (تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شىء قدير) *.
وكقوله في سورة يس: * (إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذى بيده ملكوت كل شىء وإليه ترجعون) *. ومن قدرته على كل شيء، وتصريفه لأمور ملكه كيف يشاء، أن جعل العالم كله يسبح له بحمده تنفيذا لحكمة فيه، كما في قوله: * (له الحمد فى الا ولى والا خرة وله الحكم وإليه ترجعون) *، فجمع الحمد والحكم معا لجلالة قدرته وكمال صفاته. قوله تعالى: * (هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير) *. قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، في مذكرة الدراسة: المعنى أن الله هو الذي خلقكم وقدر على قوم منكم الكفر، وعلى قوم منكم الإيمان، ثم بعد ذلك يهدي كلا لما قدره عليه كما قال: * (والذى قدر فهدى) * فيسر الكافر إلى العمل بالكفر، ويسر المؤمن للعمل بالإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ا ه.
ومن المعلوم أن هذا النص من مأزق القدرية والجبرية، وأن أهل السنة يؤمنون أن كلا بقدر الله ومشيئته. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: وهم أهل السنة وسط بين
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»