تنبيه ذكر الألوسي في قوله تعالى: * (فانصب) * قراءة شاذة بكسر الصاد، وأخذها الشيعة على الفراغ من النبوة، ونصب علي إماما، وقال: ليس الأمر متعينا بعلي فالسني يمكن أن يقول: فانصب أبا بكر، فإن احتج الشيعي بما كان في غدير خم، احتج السني بأن وقته لم يكن وقت الفراغ من النبوة.
بلى إن قوله صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) كان بعده، وفي قرب فراغه صلى الله عليه وسلم من النبوة، إذ كان في مرضه الذي مات فيه.
فإن احتج الشيعي بالفراغ من حجة الوداع، رده السني بأن الآية قبل ذلك. انتهى.
وعلى كل إذا كان الشيعة يحتجون بها، فيكفي لرد احتجاجهم أنها شاذة، وتتبع الشواذ قريب من التأويل المسمى باللعب عند علماء التفسير، وهو صرف اللفظ عن ظاهره، لا لقرينة صارفة ولا علاقة رابطة.
ومن اللعب في التأويل في هذه الآية، ما يفعله بعض العوام: رأيت رجلا عاميا عاديا، قد لبس حلة كاملة من عمامة وثوب صقيل وحزام جميل مما يسمونه نصبة، أي بدلة كاملة، فقال له رجل: ما هذه النصبة يا فلان؟ فقال له: لما فرغت من عملي نصبت، كما قال تعالى: * (فإذا فرغت فانصب) *.
كما سمعت آخر يتوجع لقلة ما في يده، ويقول لزميله: ألا تعرف لي شخصا أنصب عليه، أي آخذ قرضة منه، فقلت له: ولم تنصب عليه؟ والنصب كذب وحرام.
فقال: إذا لم يكن عند الإنسان شيء، ويده خالية فلا بأس، لأن الله قال: * (فإذا فرغت فانصب) *، وهذا وأمثاله مما يتجرأ عليه العامة لجهلهم، أو أصحاب الأهواء لنحلهم. * (وإلى ربك فارغب) *. التقديم هنا مشعر بالتخصيص وهو كقوله تعالى: * (إياك نعبد) *، أي لا نعبد غيرك: وهكذا هنا لا ترغب إلى غيره سبحانه، كأنه يقول: الذي أنعم عليك بكل ما تقدم، هو الذي ترغب فيما عنده لا سواه.