أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٨ - الصفحة ١٩٠
وذكر في معنى لغو اليمين عند العلماء قولين:
الثاني منهما: هو أن يحلف على ما يعتقده فيظهر خلافه وعزاه لمالك، وأنه مروي عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس في أحد قوليه، وساق أسماء كثيرين، ولا يبعد أن يقال: ينبغي أن نفرق بين الحد اللغوي عند البلاغيين، والحد الشرعي حيث يقبل شرعا ما كان مبناه على غلبة الظن عند المتكلم، لأنه حد علمه ولعدم المؤاخذة في الشرع في مثل ذلك والله أعلم. قوله تعالى: * (اتخذوا أيمانهم جنة) *. قرىء أيمانهم بفتح الهمزة جمع يمين، وقرئ بكسرها من الإيمان ضد الكفر، أي ما أظهروه من أمور الإسلام.
ومما تقدم أن من أنواع البيان إذا كان في الآية قراءتان، وفيها ما يرجح إحداهما، وتقدم كلام أبي حيان تخريجه على اليمين.
وللشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في مذكرة التدريس قوله: الإيمان جمع يمين وهي الحلف والجنة الترس، وهو المجن الذي تتقي به السيوف والنبال والسهام في الحرب، والمعنى أن المنافقين إذا ظهر شيء من نفاقهم أو سمعت عنهم كلمة كفر، حلفوا بالله أنهم ما قالوا ذلك وما فعلوه، فيجعلون حلفهم ترسا يقيهم من مؤاخذة النبي صلى الله عليه وسلم بذنبهم.
كما قال تعالى: * (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) *.
وقال: * (ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم) *.
وقال: * (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) *. ونحو ذلك، فهذه نصوص تدل على أنهم يحلفون أيمانا على إيمانهم.
ومن جهة المعنى: أن أيمانهم وحلفهم منصب على دعوى إيمانهم، فلا انفكاك بين اليمين والإيمان، لأنهم يحلفون أنهم مؤمنون. واليمين أخص من الإيمان، وحمله على الأخص يقتضي وجود الأعم، فالحلف على الأيمان يستلزم دعوى الإيمان وزيادة، ومجرد دعوى الإيمان لا يستلزم التأكيد بالإقسام والحلف. قوله تعالى: * (فصدوا عن سبيل الله) *.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»