ولذا جاء عقبها قوله: * (وإليه المصير) *.
أي بعد الموت والبعث. فكأنه يقول لهم: هو الذي خلقكم وخلق لكم آيات قدرته على بعثكم، من ذلك خلق السماوات والأرض، ومن ذلك خلقكم وتصويركم في أحسن تقويم، فكأن موجب ذلك الإيمان بقدرته تعالى على بعثكم بعد الموت، وبالتالي إيمانكم بما بعد البعث، من حساب وجزاء وجنة ونار، ولكن فمنكم كافر ومنكم مؤمن.
وقد جاء بعد ذكر الأمم قبلهم: وبيان أحوالهم جاء تفنيد زعم الكفار بالبعث والإقسام على وقوعه في قوله تعالى * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير) *. لأن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ويشهد لهذا التوجيه في قوله تعالى في سورة الإنسان: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) *.
فقوله تعالى: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) * كقوله تعالى: * (هو الذى خلقكم) *.
ثم قال: * (فجعلناه سميعا بصيرا) * وهما حاستا الإدراك والتأمل، فقال: * (إنا هديناه السبيل) * مع استعداده للقبول والرفض.
وقوله: * (إما شاكرا وإما كفورا) * مثل قوله هنا: * (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) * أي بعد التأمل والنظر وهداية السبيل بالوحي، ولذا جاء في هذا السياق من هذه السورة: * (فأامنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا) *.
وبكل ما تقدم في الجملة يظهر لنا أن الله خلق الإنسان من نطفة ثم جعل له سمعا وبصرا ونصب الأدلة على وجوده وقدرته على بعث الموتى، ومن ثم مجازاتهم على أعمالهم وأرسل إليه رسله وهداه النجدين، ثم هو بعد ذلك إما شاكرا وإما كفورا ولو احتج إنسان في الدنيا بالقدر لقيل له: هل عندك علم بما سبق في علم الله عليك، أم أن الله أمرك ونهاك وبين لك الطريق.