قول: إن العبد مجبور على عمله لا اختيار له كالورقة في مهب الريح.
وبين قول: إن العبد يخلق فعله بنفسه ويفعل ما يريد بمشيئته.
وأهل السنة يقولون بقوله تعالى: * (لمن شآء منكم أن يستقيم وما تشآءون إلا أن يشآء الله رب العالمين) *.
وقد ذكر القرطبي أقوال الطائفتين من أهل العلم، ولكل طائفة ما استدلت به، الأولى عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خلق الله فرعون في بطن أمه كافرا، وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا).
بما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع أو باع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
وقال: قال علماؤنا: تعلق العلم الأزلي بكل معلوم. فيجري ما علم وأراد وحكم.
الثانية ما جاء في قوله: وقال جماعة من أهل العلم: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا. قالوا: وتمام الكلام: وهو الذي خلقكم، ثم وصفهم فقال: * (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) *.
وكقوله تعالى: * (والله خلق كل دآبة من مآء فمنهم من يمشى على بطنه) *، قالوا فالله خلقهم والمشي فعلهم.
واختاره الحسين بن الفضل، قال: لأنه لو خلقهم كافرين ومؤمنين لما وصفهم بفعلهم، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم (كل مولود يولد على الفطرة) الحديث ا ه.
وبالنظر في هاتين المقالتين نجد الآتي:
أولا: التشبيه في المقالة الثانية لا يسلم، لأن وصف الدواب في حالة المشي ليس وصفا فعليا، وإنما هو من ضمن خلقه تعالى لها ولم يكن منها فعل في ذلك.
ثانيا: ما استدلت به كل طائفة من الحديثين لا تعارض بينهما، لأن الحديث الأول، (إن أحدكم ليعمل) لبيان المصير والمنتهى، وفق العلم الأزلي والإرادة القدرية.