والحديث الثاني لبيان مبدأ وجود الإنسان في الدنيا وأنه يولد على الفطرة حينما يولد. أما مصيره فبحسب ما قدر الله عليه.
وقد نقل القرطبي كلاما للزجاج وقال عنه: هو أحسن الأقوال ونصه: إن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب، مع أن الله خالق الكفر وخلق المؤمن. وإيمانه فعل له وكسب، مع أن الله خالق الإيمان. والكافر يكفر ويختار الكفر بعد أن خلق الله إياه، لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه، لأن وجود خلاف المقدر عجز، ووجود خلاف المعلوم جهل.
قال القرطبي: وهذا أحسن الأقوال، وهو الذي عليه جمهور الأمة ا ه.
ولعل مما يشهد لقول الزجاج قوله تعالى: * (والله خلقكم وما تعملون) *.
هذا حاصل ما قاله علماء التفسير، وهذا الموقف كما قدمنا من مأزق القدر والجبر، وقد زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام، وبتأمل النص وما يكتنفه من نصوص في السياق مما قبله وبعده: نجد الجواب الصحيح والتوجيه السليم، وذلك ابتداء من قوله تعالى: * (له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير) *.
فكون الملك له لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، وكونه على كل شيء قدير يفعل في ملكه ما يريد.
ثم قال: * (هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير) *. ثم جاء بعدها قوله تعالى: * (خلق السماوات والا رض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما فى السماوات والا رض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور) *. فخلق السماوات والأرض وخلق الإنسان في أحسن صورة آيتان من آيات الدلالة على البعث، كما قال تعالى في الأولى: * (لخلق السماوات والا رض أكبر من خلق الناس) *. وقال في الثانية: * (قل يحييها الذى أنشأهآ أول مرة وهو بكل خلق عليم) *.