فلا يخطر في ذهنه التشبيه الذي هو سبب نفي الصفة وتأويلها بمعنى لا أصل له.
تنبيه مهم فإن قيل دل الكتاب والسنة وإجماع السلف على أن الله وصف نفسه بصفة اليدين كقوله تعالى: * (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) *. وقوله تعالى: * (بل يداه مبسوطتان) * وقوله تعالى: * (وما قدروا الله حق قدره والا رض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) *.
والأحاديث الدالة على مثل ما دلت عليه الآيات المذكورة كثيرة، كما هو معلوم، وأجمع المسلمون على أنه جل وعلا، لا يجوز أن يوصف بصفة الأيدي مع أنه تعالى قال * (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينآ أنعاما فهم لها مالكون) * فلم أجمع المسلمون على تقديم آية لما خلقت بيدي على آية مما عملت أيدينا؟
فالجواب: أنه لا خلاف بين أهل اللسان العربي ولا بين المسلمين أن صيغ الجموع تأتي لمعنيين أحدهما إرادة التعظيم فقط، فلا يدخل في صيغة الجمع تعدد أصلا، لأن صيغة الجمع المراد بها التعظيم، إنما يراد بها واحد.
والثاني أن يراد بصيغة الجمع معنى الجمع المعروف، وإذا علمت ذلك، فاعلم أن القرآن العظيم. يكثر فيه جدا إطلاق الله جل وعلا، على نفسه صيغة الجمع، يريد بذلك تعظيم نفسه، ولا يريد بذلك تعددا ولا أن معه غيره، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، كقوله تعالى * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) *.
فصيغة الجمع في قوله: * (إنا) * وفي قوله: * (نحن) * وفي قوله: * (نزلنا) * وقوله: * (لحافظون) * لا يراد بها أن معه منزلا للذكر، وحافظا له غيره تعالى.
بل هو وحده المنزل له والحافظ له، وكذلك قوله تعالى: * (أفرءيتم ما تمنون أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) * وقوله * (أءنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون) *. وقوله: * (أءنتم أنشأتم شجرتهآ أم نحن المنشئون) *، ونحو هذا كثير في القرآن جدا، وبه تعلم أن صيغة الجمع في قوله: * (إنا) *. وفي قوله: (خلقنا) وفي قوله: * (عملت أيدينآ) * إنما يراد بها التعظيم، ولا يراد بها التعدد أصلا.