لأن جميع الأمكنة الموجودة، أحقر وأقل وأصغر، من أن يسع شيء منها خالق السماوات والأرض، الذي هو أعظم وأكبر من كل شيء، وهو محيط بكل شيء، ولا يحيط به شيء.
فانظر إيضاح ذلك في الأنعام.
واعلم أن ما يزعمه كثير من الجهلة، من أن ما في القرآن العظيم، من صفة الاستواء والعلو والفوقية، يستلزم الجهة، وأن ذلك محال على الله، وأنه يجب نفي الاستواء والعلو والفوقية، وتأويلها بما لا دليل عليه من المعاني كله باطل.
وسببه سوء الظن بالله وبكتابه، وعلى كل حال فمدعي لزوم الجهة لظواهر نصوص القرآن العظيم. واستلزام ذلك للنقص الموجب للتأويل يقال له:
ما مرادك بالجهة؟
إن كنت تريد بالجهة مكانا موجودا، انحصر فيه الله، فهذا ليس بظاهر القرآن، ولم يقله أحد من المسلمين.
وإن كنت تريد بالجهة العدم المحض.
فالعدم عبارة عن لا شيء.
فميز أولا، بين الشيء الموجود وبين لا شيء.
وقد قال أيضا أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب الإبانة أيضا ما نصه:
فإن سئلنا أتقولون إن لله يدين؟ قيل نقول ذلك، وقد دل عليه قوله عز وجل: * (يد الله فوق أيديهم) *. وقوله عز وجل: * (لما خلقت بيدى) *.
وأطال رحمه الله، الكلام في ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على إثبات صفة اليدين لله.
ومن جملة ما قال ما نصه:
ويقال لهم: لم أنكرتم أن يكون الله عز وجل عني بقوله: * (يدى) * يدين ليستا نعمتين.
فإن قالوا: لأن اليد إذا لم تكن نعمة لم تكن إلا جارحة.