أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٢٨٣
وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن قول الله عز وجل * (الرحمان على العرش استوى) * أنه استولى وملك وقهر، وأن الله عز وجل في كل مكان. وجحدوا أن يكون الله عز وجل على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة.
ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض، فالله سبحانه قادر عليها وعلى الحشوش، وعلى كل ما في العالم.
فلو كان الله مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء وهو عز وجل مستول على الأشياء كلها لكان مستويا على العرش وعلى الأرض وعلى السماء وعلى الحشوش والأفراد، لأنه قادر على الأشياء مستول عليها.
وإذا كان قادرا على الأشياء كلها ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول:
إن الله عز وجل مستو على الحشوش والأخلية، لم يجز أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها.
ووجب أن يكون معناه استواء يختص العرش دون الأشياء كلها.
وزعمت المعتزلة والحرورية والجهمية أن الله عز وجل في كل مكان فلزمهم أنه في بطن مريم وفي الحشوش والأخلية.
وهذا خلاف الدين، تعالى الله عن قولهم. ا ه.
هذا لفظ أبي الحسن الأشعري رحمه الله في آخر مصنفاته. وهو كتاب الإبانة عن أصول الديانة.
وتراه صرح رحمه الله بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء هو قول المعتزلة والجهمية والحرورية لا قول أحد من أهل السنة وأقام البراهين الواضحة على بطلان ذلك.
فليعلم مؤولو الاستواء بالاستيلاء أن سلفه في ذلك المعتزلة والجهمية والحرورية، لا أبو الحسن الأشعري رحمه الله ولا أحد من السلف.
وقد أوضحنا في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: * (وهو الله فى السماوات وفى الا رض يعلم سركم وجهركم) *. أن قول الجهمية ومن تبعهم: إن الله في كل مكان قول باطل.
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»