فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة.
فإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع بحق.
فعلى ذي الدين أن يعتقد تنزه الرب تعالى عن صفات المحدثات ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب.
ومما استحسن من إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه سئل عن قوله تعالى: * (الرحمان على العرش استوى) *، فقال: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة.
فلتجر آية الاستواء والمجيء وقوله: * (لما خلقت بيدى) *، * (ويبقى وجه ربك) *، وقوله: * (تجرى بأعيننا) *، وما صح عن الرسول عليه السلام كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا، فهذا بيان ما يجب لله تعالى. ا ه. كلامه بلفظه من الرسالة النظامية المذكورة مع أن رجوع الجويني فيها إلى أن الحق هو مذهب السلف أمر معلوم.
وكذلك أبو حامد الغزالي، كان في زمانه من أعظم القائلين بالتأويل ثم رجع عن ذلك، وبين أن الحق الذي لا شك فيه هو مذهب السلف.
وقال في كتابه: إلجام العوام عن علم الكلام:
اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر، هو مذهب السلف أعني الصحابة والتابعين، ثم قال: إن البرهان الكلي على أن الحق في مذهب السلف وحده ينكشف بتسليم أربعة أصول مسلمة عند كل عاقل.
ثم بين أن الأول من تلك الأصول المذكورة أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أعرف الخلق بصلاح أحوال العباد في دينهم ودنياهم.
الأصل الثاني: أنه بلغ كلما أوحى إليه من صلاح العباد في معادهم ومعاشهم، ولم يكتم منه شيئا.