أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٢
وبين أنها صفة تأثير كالقدرة، في قوله تعالى: * (قال ياإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) *، فتصريحه تعالى بأنه خلق نبيه آدم بهذه الصفة العظيمة التي هي صفات كماله وجلاله يدل على أنها من صفات التأثير كما ترى.
ولا يصح هنا تأويل اليد بالقدرة البتة، لإجماع أهل الحق والباطل، كلهم على أنه لا يجوز تثنية القدرة.
ولا يخطر في ذهن المسلم المراجع عقله، دخول الجارحة التي هي عظم ولحم ودم في معنى هذا اللفظ، الدال على هذه الصفة العظيمة، من صفات خالق السماوات والأرض.
فاعلم أيها المدعي أن ظاهر لفظ اليد في الآية المذكورة وأمثالها، لا يليق بالله، لأن ظاهرها التشبيه بجارحة الإنسان، وأنها يجب صرفها، عن هذا الظاهر الخبيث، ولم تكتف بهذا حتى ادعيت الإجماع على صرفها عن ظاهرها. إن قولك هذا كله افتراء عظيم على الله تعالى، وعلى كتابه العظيم، وإنك بسبه كنت أعظم المشبهين والمجسمين، وقد جرك شؤم هذا التشبيه، إلى ورطة التعطيل، فنفيت الوصف الذي أثبته الله في كتابه لنفسه بدعوى أنه لا يليق به، وأولته بمعنى آخر من تلقاء نفسك بلا مستند من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا قول أحد من السلف.
وماذا عليك لو صدقت الله وآمنت بما مدح به نفسه على الوجه اللائق بكماله وجلاله من غير كيف ولا تشبيه ولا تعطيل؟
وبأي موجب سوغت لذهنك أن يخطر فيه صفة المخلوق عند ذكر صفة الخالق؟
هل تلتبس صفة الخالق بصفة المخلوق عن أحد؟ حتى يفهم صفة المخلوق من اللفظ الدال على صفة الخالق؟
فاخش الله يا إنسان، واحذر من التقول على الله بلا علم، وآمن بما جاء في كتاب الله مع تنزيه الله عن مشابهة خلقه.
واعلم أن الله الذي أحاط علمه بكل شيء لا يخفى عليه الفرق بين الوصف اللائق به والوصف غير اللائق به، حتى يأتي إنسان فيتحكم في ذلك فيقول: هذا الذي وصفت به
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»