أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٦ - الصفحة ١٨٤
الوجه الثاني: أن المراد بجميعها يوم القيامة، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى: * (فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير) *، وقوله تعالى: * (يقول الكافرون هاذا يوم عسر) *.
وقد أوضحنا هذا الوجه في سورة (الفرقان)، في الكلام على قوله تعالى: * (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) *، وقد ذكرنا في (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب): أن أبا عبيدة روى عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة أنه حضر كلا من ابن عباس وسعيد بن المسيب سئل عن هذه الآيات، فلم يدر ما يقول فيها، ويقول: لا أدري.
* (قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون * ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنآ أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون * ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ولاكن حق القول منى لاملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين * فذوقوا بما نسيتم لقآء يومكم هاذآ إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون * إنما يؤمن بأاياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس مآ أخفى لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعملون * أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون * أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلمآ أرادوا أن يخرجوا منهآ أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون * ولنذيقنهم من العذاب الا دنى دون العذاب الا كبر لعلهم يرجعون) * * (قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم) *. ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين، وهذا هو المشهور، وقد جاء في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل.
وقد بين تعالى في آيات أخر أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملك واحد؛ كقوله تعالى: * (إن الذين توفاهم الملئكة ظالمى أنفسهم) *، وقوله تعالى: * (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) *، وقوله تعالى: * (ولو ترى إذ الظالمون فى غمرات الموت والملئكة باسطوا أيديهم) *، وقوله تعالى: * (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وإيضاح هذا عند أهل العلم: أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد، هو المذكور هنا، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم، فيأخذها ملك الموت، أو يعينونه إعانة غير ذلك.
وقد جاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه: (أن ملك الموت إذا أخذ روح الميت أخذها من يده بسرعة ملائكة فصعدوا بها إلى السماء)، وقد بين فيه صلى الله عليه وسلم ما تعامل به روح المؤمن وروح الكافر بعد أخذ الملائكة له من ملك الموت حين يأخذها من البدن، وحديث البراء المذكور صححه غير واحد، وأوضح ابن القيم في كتاب (الروح)، بطلان تضعيف ابن حزم له.
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»