وقال ابن قدامة في (المغني): ولو قال: أخبرني فلان أنك زنيت لم يكن قاذفا سواء كذبه المخبر عنه أو صدقه، وبه قال الشافعي، وأبو ثور وأصحاب الرأي. وقال أبو الخطاب: فيه وجه آخر أنه يكون قاذفا إذا كذبه الآخر، وبه قال مالك، وعطاء، ونحوه عن الزهري؛ لأنه أخبر بزناه، اه منه.
وأظهر القولين عندي: أنه لا يكون قاذفا ولا يحد، لأنه حكى عن غيره ولم يقل من تلقاء نفسه، ويحتمل أن يكون صادقا، وأن الذي أخبره أنكر بعد إخباره إياه كما لو شهد على رجل أنه قذف رجلا وأنكر المشهود عليه، فلا يكون الشاهد قاذفا، والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثامنة: أظهر قولي أهل العلم عندي فيمن قذف رجلا بالزنى، ولم يقم عليه الحد حتى زنا المقذوف أن الحد يسقط عن قاذفه؛ لأنه تحقق بزناه أنه غير محصن، ولو كان ذلك لم يظهر إلا بعد لزوم الحد للقاذف؛ لأنه قد ظهر أنه غير عفيف قبل إقامة الحد على من قذفه، فلا يحد لغير عفيف اعتبارا بالحالة التي يراد أن يقام فيها الحد، فإنه في ذلك الوقت ثبت عليه أنه غير عفيف.
وهذا الذي استظهرنا عزاه ابن قدامة: لأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، والقول بأنه يحد هو مذهب الإمام أحمد.
قال صاحب (المغني): وبه قال الثوري، وأبو ثور، والمزني، وداود. واحتجوا بأن الحد قد وجب وتم بشروطه فلا يسقط بزوال شرط الوجوب.
والأظهر عندنا هو ما قدمنا، لأنه تحقق أنه غير عفيف قبل إقامة الحد على قاذفه، فلا يحد لمن تحقق أنه غير عفيف.
وإنما وجب الحد قبل هذا، لأن عدم عفته كان مستورا، ثم ظهر قبل إقامة الحد، والعلم عند الله تعالى.
المسألة التاسعة: اعلم أن أظهر قولي أهل العلم عندنا فيمن قال لرجل: يا من وطئ بين الفخذين، أنه ليس بقذف، ولا يحد قائله؛ لأنه رماه بفعل لا يعد زنا إجماعا، خلافا لابن القاسم من أصحاب مالك القائل بوجوب الحد زاعما أنه تعريض به، والعلم عند الله تعالى.