أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٣٥
الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من قذف عبده بالزنى أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال) اه. وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: (أقيم عليه الحد يوم القيامة)، يدل على أنه لا يقام عليه الحد في الدنيا وهو كذلك، وهذا لا نزاع فيه بين من يعتد به من أهل العلم.
قال القرطبي: قال العلماء: وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع الملك واستواء الشريف والوضيع والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى، ولما كان ذلك تكافأ الناس في الحدود والحرمة، واقتص لكل واحد من صاحبه إلا أن يعفو المظلوم، انتهى محل الغرض من كلام القرطبي.
المسألة الخامسة: اعلم أن العلماء أجمعوا على أنه إذا صرح في قذفه له بالزنى، كان قذفا ورميا موجبا للحد، وأما إن عرض ولم يصرح بالقذف، وكان تعريضه يفهم منه بالقرائن أنه يقصد قذفه؛ كقوله: أما أنا فلست بزان، ولا أمي بزانية، أو ما أنت بزان ما يعرفك الناس بالزنى، أو يا حلال بن الحلال، أو نحو ذلك.
فقد اختلف أهل العلم: هل يلزم القذف بالتعريض المفهم للقذف، وإن لم يصرح أو لا يحد حتى يصرح بالقذف تصريحا واضحا لا احتمال فيه؟ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التعريض لا يوجب الحد، ولو فهم منه إرادة القذف، إلا أن يقر أنه أراد به القذف.
قال ابن قدامة في (المغني): وهذا القول هو رواية حنبل عن الإمام أحمد، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار أبي بكر، وبه قال عطاء، وعمرو بن دينار، وقتادة، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، واحتج أهل هذا القول بكتاب وسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: * (خبير ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء) *، ففرق تعالى بين التصريح للمعتدة والتعريض، قالوا: ولم يفرق الله بينهما في كتابه، إلا لأن بينهما فرقا، ولو كانا سواء لم يفرق بينهما في كتابه.
وأما السنة: فالحديث المتفق عليه، الذي قدمناه مرارا في الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: إن امرأتي ولدت غلاما أسود وهو تعريض بنفيه، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا قذفا، ولم يدعهما للعان بل قال للرجل: (ألك إبل)؟ قال: نعم، قال: (فما ألوانها)؟
(٤٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 ... » »»