شهادته شهادة رجلين، قال أبو عبد الله: وكنت أنا أفسره على هذا حتى رأيته في هذا الحديث فأعجبني، ثم قال يقول: إذا جلدته ثانية فكأنك جعلته شاهدا آخر، فأما إن حد له وقذفه بزنا ثان نظرت، فإن قذفه بعد طول الفصل فحد ثان؛ لأنه لا يسقط حرمة المقذوف بالنسبة إلى القاذف أبدا بحيث يمكن من قذفه بكل حال، وإن قذفه عقيب حده ففيه روايتان:
إحداهما: يحد أيضا؛ لأنه قذف لم يظهر كذبه فيه بحد، فيلزم فيه حد كما لو طال الفصل، ولأن سائر أسباب الحد إذا تكررت بعد أن حد للأول ثبت للثاني حكمه، كالزنا والسرقة وغيرهما من الأسباب.
والثانية: لا يحد؛ لأنه قد حد له لمرة فلم يحد له بالقذف عقبه، كما لو قذفه بالزنا الأول، انتهى من (المغني). وقد رأيت نقله لأقوال أهل العلم، فيمن قذف جماعة بكلمة واحدة أو بكلمات أو قذف واحدا مرات.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: هذه المسائل لم نعلم فيها نصا من كتاب ولا سنة.
والذي يظهر لنا فيه، والله تعالى أعلم: أن من قذف جماعة بكلمة واحدة فعليه حد واحد، لأنه يظهر به كذبه على الجميع وتزول به المعرة عن الجميع، ويحصل شفاء الغيط بحده للجميع.
والأظهر عندنا فيمن رمى جماعة بكلمات أنه يتعدد عليه الحد، بعدد الكلمات التي قذف بها؛ لأنه قذف كل واحد قذفا مستقلا لم يشاركه فيه غيره وحده لبعضهم لا يظهر به كذبه على الثاني الذي قذفه بلفظ آخر، ولا تزول به عنه المعرة. وهذا إن كان قذف كل واحد منهم قذفا مفردا لم يجمع معه غيره لا ينبغي أن يختلف فيه، والأظهر أنه إن قذفهم بعبارات مختلفة تكرر عليه الحد بعددهم، كما اختاره صاحب (المغني).
والأظهر عندنا أنه إن كرر القذف لرجل واحد قبل إقامة الحد عليه يكفي فيه حد واحد، وأنه إن رماه بعد حده للقذف الأول بعد طول حد أيضا، وإن رماه قرب زمن حده بعين الزنا الذي حد له لا يعاد عليه الحد؛ كما حكاه صاحب المغني في قصة أبي بكرة والمغيرة بن شعبة، وإن كان القذف الثاني غير الأول، كأن قال في الأول: زنيت بامرأة بيضاء،