المقذوف قبل بلوغ الإمام، فإن بلغ الإمام، فلا يسقطه عفوه إلا إذا ادعى أنه يريد بالعفو الستر على نفسه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الظاهر أن القذف حق للآدمي وكل حق لآدمي فيه حق لله.
وإيضاحه: أن حد القذف حق للآدمي من حيث كونه شرع للزجر عن فعله، ولدفع معرة القذف عنه. فإذا تجرأ عليه القاذف انتهك حرمة عرض المسلم، وأن للمسلم عليه حق بانتهاك حرمة عرضه، وانتهك أيضا حرمة نهى الله عن فعله في عرض مسلم، فكان لله حق على القاذف بانتهاكه حرمة نهيه، وعدم امتثاله، فهو عاص لله مستحق لعقوبته، فحق الله يسقط بالتوبة النصوح، وحق المسلم يسقط بإقامة الحد، أو بالتحلل منه.
والذي يظهر على هذا التفصيل أن المقذوف إذا عفا وسقط الحد بعفوه أن للإمام تعزير القاذف لحق الله، والله جل وعلا أعلم.
المسألة الحادية عشرة: قال القرطبي: إن تمت الشهادة على الزاني بالزنا ولكن الشهود لم يعدلوا، فكان الحسن البصري والشعبي يريان ألا حد على الشهود، ولا على المشهود عليه، وبه قال أحمد، والنعمان، ومحمد بن الحسن.
وقال مالك: وإذا شهد عليه أربعة بالزنا وكان أحدهم مسخوطا عليه أو عبدا يجلدون جميعا. وقال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق في أربعة عميان يشهدون على امرأة بالزنى: يضربون، فإن رجع أحد الشهود، وقد رجم المشهود عليه في الزنى، فقالت طائفة: يغرم ربع الدية، ولا شئ على الآخرين، وكذلك قال قتادة، وحماد، وعكرمة، وأبو هاشم، ومالك، وأحمد، وأصحاب الرأي. وقال الشافعي: إن قال عمدت ليقتل، فالأولياء بالخيار إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا عفوا، وأخذوا ربع الدية وعليه الحد. وقال الحسن البصري: يقتل وعلى الآخرين ثلاثة أرباع الدية. وقال ابن سيرين: إذا قال أخطأت وأردت غيره، فعليه الدية كاملة، وإن قال تعمدت قتل، وبه قال ابن شبرمة، اه كلام القرطبي. وقد قدمنا بعضه.
وأظهر الأقوال عندي: أنهم إن لم يعدلوا حدوا كلهم؛ لأن من أتى بمجهول غير معروف العدالة، كمن لم يأت بشئ، وأنه إن أقر بأنه تعمد الشهادة عليه؛ لأجل أن يقتل