المسألة العاشرة: اعلم أن حد القذف لا يقام على القاذف إلا إذا طلب المقذوف إقامة الحد عليه؛ لأنه حق له، ولم يكن للقاذف بينة على ما ادعى من زنا المقذوف؛ لأن الله يقول: * (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) * ومفهوم الآية: أن القاذف لو جاء بأربعة شهداء على الوجه المقبول شرعا أنه لا حد عليه، وإنما يثبت بذلك حد الزنا على المقذوف، لشهادة البينة، ويشترط لذلك أيضا عدم إقرار المقذوف، فإن أقر بالزنا، فلا حد على القاذف. وإن كان القاذف زوجا اعتبر في حده حد القذف امتناعه من اللعان. قال ابن قدامة: ولا نعلم خلافا في هذا كله ثم قال: وتعتبر استدامة الطلب إلى إقامة الحد، فلو طلب ثم عفا عن الحد سقط، وبهذا قال الشافعي، وأبو ثور. وقال الحسن وأصحاب الرأي: لا يسقط بعفوه؛ لأنه حد فلم يسقط بالعفو كسائر الحدود. ولنا أنه حد لا يستوفى إلا بعد مطالبة الآدمي باستيفائه فسقط بعفوه كالقصاص، وفارق سائر الحدود، فإنه لا يعتبر في إقامتها الطلب باستيفائها، وحد السرقة إنما تعتبر فيه المطالبة بالمسروق لا باستيفاء الحد، ولأنهم قالوا تصح دعواه، ويستحلف فيه، ويحكم الحاكم فيه بعلمه، ولا يقبل رجوعه عنه بعد الاعتراف، فدل على أنه حق لآدمي، اه من (المغني)، وكونه حقا لآدمي هو أحد أقوال فيه.
قال أبو عبد الله القرطبي: واختلف العلماء في حد القذف، هل هو من حقوق الله، أو من حقوق الآدميين أو فيه شائبة منهما؟
الأول: قول أبي حنيفة.
والثاني: قول مالك والشافعي.
والثالث: قاله بعض المتأخرين.
وفائدة الخلاف أنه إن كان حقا لله تعالى وبلغ الإمام أقامه وإن لم يطلب ذلك المقذوف، ونفعت القاذف التوبة فيما بينه وبين الله تعالى، ويتشطر فيه الحد بالرق كالزنا، وإن كان حقا للآدمي، فلا يقيمه الإمام إلا بمطالبة المقذوف، ويسقط بعفوه ولم تنفع القاذف التوبة حتى يحلله المقذوف، ا ه كلام القرطبي.
ومذهب مالك وأصحابه كأنه مبني على القول الثالث، وهو أن الحد يسقط بعفو