أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٤٤٤
المقذوف بقذفه وبحد واحد يظهر كذب هذا القاذف، وتزول المعرة، فوجب أن يكتفي به بخلاف ما إذا قذف كل واحد قذفا منفردا، فإن كذبه في قذفه لا يلزم منه كذبه في آخر، ولا تزول المعرة عن أحد المقذوفين بحده للآخر، فإذا ثبت هذا، فإنهم إن طلبوه جملة حد لهم، وإن طلبه واحد أقيم الحد؛ لأن الحق ثابت لهم على سبيل البدل، فأيهم طالب به استوفى، وسقط فلم يكن لغيره الطلب به كحق المرأة على أوليائها في تزويجها، إذا قام به واحد سقط عن الباقين، وإن أسقطه أحدهم فلغيره المطالبة به واستيفاؤه؛ لأن المعرة لم تزل عنه بعفو صاحبه، وليس للعافي الطلب به، لأنه قد أسقط حقه.
وروي عن أحمد رحمه الله رواية أخرى: أنهم إن طلبوه دفعة واحدة فحد واحد، وكذلك إن طلبوه واحدا بعد واحد إلا أنه لم يقم حتى طلبه الكل فحد واحد، وإن طلبه واحد فأقيم له، ثم طلبه آخر أقيم له، وكذلك جميعهم وهذا قول عروة؛ لأنهم إذا اجتمعوا على طلبه، وقع استيفاؤه لجميعهم. وإذا طلبه واحد منفردا كان استيفاؤه له وحده، فلم يسقط حق الباقين بغير استيفائهم (في) إسقاطهم، وإن قذف الجماعة بكلمات فلكل واحد حد، وبهذا قال عطاء، والشعبي، وقتادة، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة والشافعي. وقال حماد ومالك: لا يجب إلا حد واحد، لأنها جناية توجب حدا، فإذا تكررت كفى حد واحد، كما لو سرق من جماعة أو زنى بنساء، أو شرب أنواعا من المسكر، ولنا أنها حقوق لآدميين فلم تتداخل كالديون والقصاص، وفارق ما قاسوا عليه فإنه حق لله تعالى، إلى أن قالا: وإن قذف رجلا مرات فلم يحد، فحد واحد رواية واحدة، سواء قذفه بزنا واحد أو بزنيات، وإن قذفه فحد ثم أعاد قذفه نظرت، فإن قذفه بذلك الزنا الذي حد من أجله لم يعد عليه الحد في قول عامة أهل العلم، وحكي عن ابن القاسم: أنه أوجب حدا ثانيا، وهذا يخالف إجماع الصحابة، فإن أبا بكرة لما حد بقذف المغيرة أعاد قذفه فلم يروا عليه حدا ثانيا، فروى الأثرم بإسناده عن ظبيان بن عمارة، قال: شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة نفر أنه زان، فبلغ ذلك عمر فكبر عليه، وقال: شاط ثلاثة أرباع المغيرة بن شعبة، وجاء زياد فقال: ما عندك؟ فلم يثبت فأمر بجلدهم فجلدوا، وقال: شهود زور. فقال أبو بكرة: أليس ترضى إن أتاك رجل عندك يشهد رجمه؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده، فقال أبو بكرة: وأنا أشهد أنه زان، فأراد أن يعيد عليه الحد، فقال علي: يا أمير المؤمنينا إنك إن أعدت عليه الحد، أوجبت عليه الرجم. وفي حديث آخر: فلا يعاد فيه فرية جلد مرتين. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله قول علي: إن جلدته فارجم صاحبك، قال: كأنه جعل
(٤٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 ... » »»