الثانية: أن يقول له: يا من زنى بعد إسلامه أو نكح أمه بعد إسلامه، فعليه الحد؛ كما لا يخفى.
الثالثة: أن يقول له: يا زاني، ولم يتعرض لكون ذلك قبل إسلامه أو بعده، فإن فسره بأنه أراد أنه زنى بعد إسلامه، فعليه الحد. وإن قال: أردت بذلك زناه في زمن شركه، فهل يقبل منه هذا التفسير، ويسقط عنه الحد، أو لا يقبل ذلك منه، ويقام عليه الحد، اه. اختلف العلماء في ذلك، وممن قال بأنه يحد ولا يلتفت إلى تفسيره ذلك: مالك وأصحابه، وصرح به الخرقي من الحنابلة. وقال ابن قدامة في (المغني): لا حد عليه، وخالف في ذلك الخرقي في شرحه لقول الخرقي: ومن قذف من كان مشركا، وقال: أردت أنه زنى وهو مشرك لم يلتفت إلى قوله، وحد القاذف إذا طالب المقذوف، وكذلك من كان عبدا، انتهى.
المسألة العشرون: اعلم أن من قذف بنتا غير بالغة بالزنى، أو قذف به ذكرا غير بالغ، فقد اختلف أهل العلم: هل يجب على القاذف الحد أو لا يجب عليه؟ وقال أبو عبد الله القرطبي في تفسير الآية التي نحن بصددها: إذا رمى صبية يمكن وطؤها قبل البلوغ بالزنى كان قذفا عند مالك. وقال أبو حنيفة والشافعي وأبو ثور: ليس بقذف؛ لأنه ليس بزنى إذ لا حد عليها ويعزر. قال ابن العربي: والمسألة محتملة مشكلة لكن مالك غلب حماية عرض المقذوف، وغيره راعى حماية ظهر القاذف، وحماية عرض المقذوف أولى؛ لأن القاذف كشف ستره بطرف لسانه فلزمه الحد. قال ابن المنذر: وقال أحمد في الجارية بنت تسع، يحد قاذفها، وكذلك الصبي إذا بلغ عشرا ضرب قاذفه، قال إسحاق: إذا قذف غلاما يطأ مثله فعليه الحد، والجارية إذا جاوزت تسعا مثل ذلك. قال ابن المنذر: لا يحد من قذف من لم يبلغ؛ لأن ذلك كذب، ويعزر على الأذى، اه محل الغرض منه بلفظه.
وإذا عرفت مما ذكرنا أقوال أهل العلم في المسألة، فاعلم أن أظهرها عندنا قول ابن المنذر: إنه لا يحد ولكن يعزر، ووجه ذلك أن من لم يبلغ من الذكور والإناث مرفوع عنه القلم، ولا معرة تلحقه بذنب؛ لأنه غير مؤاخذ، ولو جاء قاذف الصبي بأربعة يشهدون على الصبي بالزنى فلا حد عليه إجماعا، ولو كان قذفه قذفا على الحقيقة للزمه الحد بإقامة القاذف البينة على زناه، وإن خالف في هذا جمع من أجلاء العلماء، ولكنه يعزر التعزير البالغ الرادع له، ولغيره عن قذف من لم يبلغ، والعلم عند الله تعالى.