نفسه، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله، فقال: يا رسول اللها إني زنيت، فأعرض عنه، فجاء لشق وجه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أعرض عنه، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أبك جنون)؟ قال: لا يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: (أحصنت)؟ قال: نعم، قال: (اذهبوا فارجموه)، الحديث. هذا لفظ البخاري في صحيحه، ولفظ مسلم: فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أبك جنون)؟ قال: لا، قال: (فهل أحصنت)؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهبوا به فارجموه) اه.
قالوا: فهذا الحديث المتفق عليه فيه ترتيب الرجم على أربع شهادات على نفسه، أي: أربع إقرارات بصيغة ترتيب الجزاء على الشرط؛ لأن لما مضمنة معنى الشرط وترتيب الحد على الأربع ترتيب الجزاء على شرطه، دليل على اشتراط الأربع المذكورة، والرجل المذكور في هذا الحديث، هو ماعز بن مالك وقصته مشهورة صحيحة، وفي ألفاظ رواياتها ما يدل على أنه لم يرجمه، حتى شهد على نفسه أربع شهادات؛ كما رأيت في الحديث المذكور آنفا، وقد علمت مما ذكرنا ما استدل به كل واحد من الفريقين.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر قولي أهل العلم في هذه المسألة عندي: هو الجمع بين الأحاديث الدالة على اشتراط الأربع، والأحاديث الدالة على الاكتفاء بالمرة الواحدة؛ لأن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن، لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، ووجه الجمع المذكور هو حمل الأحاديث التي فيها التراخي، عن إقامة الحد بعد صدور الإقرار مرة على من كان أمره ملتبسا في صحة عقله، واختلاله، وفي سكره، وصحوه من السكر، ونحو ذلك. وحمل أحاديث إقامة الحد بعد الإقرار مرة واحدة على من عرفت صحة عقله وصحوه من السكر، وسلامة إقراره من المبطلات، وهذا الجمع رجحه الشوكاني في (نيل الأوطار).
ومما يؤيده أن جميع الروايات التي يفهم منها اشتراط الأربع كلها في قصة ماعز، وقد دلت روايات حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدري أمجنون هو أم لا؟ صاح هو أو سكران؟ بدليل قوله له في الحديث المتفق عليه المذكور آنفا: (أبك جنون)؟ وسؤاله صلى الله عليه وسلم لقومه عن عقله، وسؤاله صلى الله عليه وسلم: (أشرب خمرا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، وكل