والوجه الثاني: أنه يجب الحد عليه، اختاره أبو الخطاب، وهو قول أبي يوسف ومحمد، ووجه ثان للشافعي؛ لأن الشهادة كملت على وجود الزنى منه، واختلافهما إنما هو في فعلها لا في فعله، فلا يمنع كمال الشهادة عليه.
وفي الشهود ثلاثة أوجه:
أحدها: لا حد عليهم، وهو قول من أوجب الحد على الرجل بشهادتهم.
والثاني: عليهم الحد لأنهم شهدوا بالزنى، ولم تكمل شهادتهم فلزمهم الحد، كما لو لم يكمل عددهم.
والثالث: يجب الحد على شاهدي المطاوعة، لأنهما قذفا المرأة بالزنى، ولم تكمل شهادتهم عليها، ولا تجب على شاهدي الإكراه لأنهما لم يقذفا المرأة، وقد كملت شهادتهم على الرجل، وإنما انتفى عنه الحد للشبهة.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد رأيت خلاف أهل العلم في هذا الفرع، وأظهر أقوالهم عندي فيه: أن الرجل والمرأة لا حد على واحد منهما، وأن على الشهود الأربعة حد القذف. أما نفي الحد عن المرأة، فلا خلاف فيه، ووجهه ظاهر؛ لأنها لم تكمل عليها شهادة بالزنى. وأما نفي الحد عن الرجل، فلأن الاثنين الشاهدين بالمطاوعة يكذبان الشاهدين بالإكراه كعكسه، وإذا كان كل اثنين من الأربعة يكذبان الآخرين في الحالة التي وقع عليها الفعل لم تكمل شهادتهم على فعل واحد، فلم تكمل على الرجل شهادة على حالة زنى واحد؛ لأن الإكراه والطوع أمران متنافيان، وإذا لم تكمل عليه شهادة بفعل واحد على حالة واحدة فعدم حده هو الأظهر، أما وجه حد الشهود، فلأن الشاهدين على المرأة بأنها زنت مطاوعة للرجل قاذفان لها بالزنى، ولم تكمل شهادتهما عليها فحدهما لقذفهما المرأة ظاهر جدا؛ ولأن الشاهدين بأنه زنى بها مكرهة قاذفان للرجل بأنه أكرهها فزنى بها، ولم تكمل شهادتهم؛ لأن شاهدي الطوع مكذبان لهما في دعواهما الإكراه فحدهما لقذفهما للرجل، ولم تكمل شهادتهما عليه ظاهر. أما كون الأربعة قد اتفقت شهادتهم على أنه زنى بها، فيرده أن كل اثنين منهما يكذبان الآخرين في الحالة التي وقع عليها الزنى، هذا هو الأظهر عندنا من كلام أهل العلم في هذا الفرع، والعلم عند الله تعالى.