أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٨٤
المسألة الثانية: اعلم أن العلماء أجمعوا على ثبوت الزنى، ووجوب الحد رجما كان أو جلدا بإقرار الزاني والزانية، ولكنهم اختلفوا هل يثبت الزنى بإقرار الزاني مرة واحدة، أو لا يكفي ذلك حتى يقر به أربع مرات؟ فذهب الإمام أحمد، وأبو حنيفة، وابن أبي ليلى، والحكم: إلى أنه لا يثبت إلا إذا أقر به أربع مرات، وزاد أبو حنيفة وابن أبي ليلى: أن يكون ذلك في أربع مجالس، ولا تكفي عندهما الإقرارات الأربعة في مجلس واحد. وذهب مالك، والشافعي، والحسن، وحماد، وأبو ثور، وابن المنذر إلى أن الزنى يثبت بالإقرار مرة واحدة.
أما حجج من قال يكفي الإقرار به مرة واحدة، فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنيس في الحديث الصحيح المشهور: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)، فاعترفت فرجمها. وفي رواية في الصحيح: فأعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت، قالوا: فهذا الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما ظاهرا ظهورا واضحا في أن الزنى يثبت بالاعتراف به مرة واحدة؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم فيه: (فإن اعترفت فارجمها)، ظاهر في الاكتفاء بالاعتراف مرة واحدة، إذ لو كان الاعتراف أربع مرات لا بد منه لقال له صلى الله عليه وسلم: فإن اعترفت أربع مرات فارجمها، فلما لم يقل ذلك عرفنا أن المرة الواحدة تكفي؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما هو معلوم.
ومن أدلتهم على الاكتفاء بالاعتراف بالزنى مرة واحدة ما ثبت في الصحيح من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله، أصبت حدا فأقمه علي، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها فقال: (أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها)،، ففعل فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى)، هذا لفظ مسلم في صحيحه، وهو نص صحيح في أنه صلى الله عليه وسلم، أمر برجمها بإقرارها مرة واحدة؛ لأنها قالت: إني أصبت حدا، مرة واحدة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجمها من غير تعدد الإقرار؛ لأن الحديث لم يذكر فيه إلا إقرارها مرة واحدة.
ومن أدلتهم على ذلك أيضا: ما ثبت في الصحيح من قصة الغامدية التي جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول (صلى الله عليه وسلم)، إني قد زنيت فطهرني، وأنه ردها، فلما كان من الغد،
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 387 387 ... » »»