ذلك، ولم يكن مستند حكم النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما أطلعه الله عليه، انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر في (فتح الباري).
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي رجحانه بالدليل، هو مذهب الجمهور من عدم قبول شهادة الكفار مطلقا؛ لأن الله يقول في المسلمين الفاسقين: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) *، وإذا نص الله جل وعلا في محكم كتابه على عدم قبول شهادة الفاسق، فالكافر أولى بذلك، كما لا يخفى. وقد قال جل وعلا في شهود الزنا، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منه: * (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) *، فخص الأربعة بكونهم منا، ويمكن أن يجيب المانع بأن أول الآية فيه * (من نسائكم) *، فلا نتناول نساء أهل الذمة ونحوهم من الكفار، وأنه لا تقبل شهادة كافر في شئ إلا بدليل خاص كالوصية في السفر، إذا لم يوجد مسلم؛ لأن الله نص على ذلك بقوله: * (يأيها الذين ءامنوا شهادة) *.
والتحقيق أن حكمها غير منسوخ، لأن القرءان لا يثبت نسخ حكمه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، والآيات التي زعم من ادعى النسخ أنها ناسخة لها؛ كقوله: * (ذوى عدل منكم) *، وقوله: * (ممن ترضون من الشهداء) *، وقوله: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) *.
والجمهور على أن الأعم لا ينسخ الأخص، خلافا لأبي حنيفة.
أما حديث جابر المشار إليه الذي يفهم منه قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض في حد الزنى، فقد قال فيه أبو داود رحمه الله في سننه: حدثنا يحيى بن موسى البلخي، ثنا أبو أسامة، قال مجالد: أخبرنا عن عامر، عن جابر بن عبد الله، قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا، فقال: (ائتوني بأعلم رجلين منكم)، الحديث. وفيه: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما، انتهى محل الغرض منه.
وظاهر المتبادر منه: أن الشهود الذين شهدوا من اليهود كما لا يخفى، فظاهر الحديث دال دلالة واضحة على قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض، في حد الزنى، إن كان صحيحا، والسند المذكور الذي أخرجه به أبو داود لا يصح؛ لأن فيه مجالدا وهو