أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٥ - الصفحة ٣٨١
وجه لرد شهادتهم، وبهذا جزم صاحب المغني موجها له بما ذكرنا.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لنا في هذا الفرع هو وجوب استفسار الشهود، فإن جزم اثنان بأن عليه ثوبا واحدا أحمر، وجزم الآخران أن عليه ثوبا واحدا أبيض لم تكمل شهادتهم لتنافي الشهادتين، وإن اتفقوا على أن عليه ثوبين مثلا أحدهما أحمر، والثاني أبيض، وذكر كل اثنين أحد الثوبين، فلا إشكال في كمال شهادتهم؛ لاتفاق الشهادتين. وإن لم يمكن استفسار الشهود لموتهم، أو غيبتهم غيبة يتعذر معها سؤالهم، فالذي يظهر لي عدم كمال شهادتهم؛ لاحتمال تخالف شهادتهما، ومطلق احتمال اتفاقهما لا يكفي في إقامة الحد؛ لأن الحد يدرأ بالشبهات، فلا يقام بشهادة محتملة البطلان، بل الظاهر من الصيغة اختلاف الشهادتين والعمل بالظاهر لازم، ما لم يقم دليل صارف عنه يجب الرجوع إليه.
والذي يظهر أنهم إن لم تكمل شهادتهم يحدون حد القذف. أما في الشهادة المحتملة فإنه قبل إمكان استفسارهم، فلا إشكال في عدم إمكان حدهم وإن أمكن استفسارهم، فإن فسروا. بما يقتضي كمال شهادتهم حد المشهود عليه بشهادتهم، وإن فسروا بما يوجب بطلان شهادتهم، فالظاهر أنهم يحدون حد القذف؛ كما قدمنا، والعلم عند الله تعالى.
الفرع السابع: إن شهد اثنان أنه زنى بها مكرهة، وشهد اثنان أنه زنى بها مطاوعة، فلا حد على المرأة إجماعا؛ لأن الشهادة عليها لم تكمل على فعل موجب للحد، وإنما الخلاف في حكم الرجل والشهود.
قال ابن قدامة في (المغني): وفي الرجل وجهان:
أحدهما: لا حد عليه، وهو قول أبي بكر، والقاضي وأكثر الأصحاب، وقول أبي حنيفة، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي؛ لأن البينة لم تكمل على فعل واحد، فإن فعل المطاوعة غير فعل المكرهة، ولم يتم العدد على كل واحد من الفعلين، ولأن كل شاهدين منهما يكذبان الآخرين، وذلك يمنع قبول الشهادة، أو يكون شبهة في درء الحد ولا يخرج عن أن يكون قول واحد منهما مكذبا للآخر إلا بتقدير فعلين تكون مطاوعة في أحدهما، مكرهة في الآخر، وهذا يمنع كون الشهادة كاملة على فعل واحد، ولأن شاهدي المطاوعة قاذفان لها، ولم تكمل البينة عليها، فلا تقبل شهادتهما على غيرها.
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»