أحدهما: أن إخراج الدم من الحاج، قد يؤدي إلى ضعفه، كما كره صوم يوم عرفة للحاج، مع أن الصوم أخف من الحجامة، قالوا: فبطل الاستدلال المجيز، بأنه لم يقم دليل على تحريم إخراج الدم في الإحرام، لأنا لم نقل بالحرمة، بل بالكراهة لعلة أخرى علمت. قاله الزرقاني في شرح الموطأ.
ومرادهم أن ضعفه بإخراج الدم منه، قد يؤدي إلى عجزه عن إتمام بعض المناسك.
الأمر الثاني: هو أن الحجامة إنما تكون في العادة، بشد الزجاج ونحوه والمحرم ممنوع من العقد والشد على جسده. قاله الشيخ سند.
وقال الحطاب في شرحه لقول خليل عاطفا على ما يكره: وحجامة بلا عذر ما نصه: وأما مع العذر فتجوز، فإن لم يزل بسببها شعرا، ولم يقتل قملا فلا شيء ما عليه، وإن أزال بسببها شعرا: فعليه الفدية. وذكر ابن بشير قولا بسقوطها قال في التوضيح: وهو غريب، وإن قتل قملا، فإن كان كثيرا، فالفدية وإلا أطعم حفنة من طعام. والله سبحانه أعلم انتهى منه.
والقول الذي ذكره ابن بشير من المالكية واستغربه خليل في التوضيح بسقوط الفدية مطلقا. ولو أزال بسبب الحجامة شعرا له وجه من النظر، ولا يخلو عندي من قوة والله تعالى أعلم. وإيضاح ذلك أن جميع الروايات المصرحة (بأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه) لم يرد في شيء منها أنه افتدى لإزالة ذلك الشعر من أجل الحجامة، ولو وجبت عليه في ذلك فدية، لبينها للناس، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
والاستدلال على وجوب الفدية في ذلك بعموم قوله تعالى: * (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) *. لا ينهض كل النهوض، لأن الآية واردة في حلق جميع الرأس، لا في حلق بعضه، وقد قدمنا أن حلق بعضه: ليس فيه نص صريح.
ولذلك اختلف العلماء فيه، فذهب الشافعي: إلى أن الفدية تلزم بحلق ثلاث شعرات فصاعدا. وذهب أحمد في إحدى الروايتين إلى ذلك، وفي الأخرى: إلى لزومها بأربع شعرات، وذهب أبو حنيفة: إلى لزومها بحلق الربع، وذهب مالك: إلى لزومها بحلق ما فيه ترفه، أو إماطة أذى، وهذا الاختلاف يدل على عدم النص الصريح في حلق بعض