قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أما مجرد الغسل الذي لا يزيده إلا شعثا كما قال عمر رضي الله عنه، فلا ينبغي أن يختلف فيه، لحديث أبي أيوب المتفق عليه، وأما التدلك في الحمام، وغسل الرأس بالخطمى، فلا نص فيه، والأحسن تركه احتياطا، وأما لزوم الفدية فيه فلا أعلم له دليلا يجب الرجوع إليه والعلم عنده الله تعالى.
وأما حكم من قتل بغسله رأسه قملا فلا أعلم في خصوص قتل المحرم القمل نصا من كتاب، ولا سنة.
وقد قدمنا أن مذهب مالك: أنه إن قتل قملة أو قملات أطعم ملء يد واحدة من الطعام كفارة لذلك، وإن قتل كثيرا منه لزمته الفدية، وعن الشافعي أن من قتل قملة: أطعم شيئا قال: وأي شيء فداها به فهو خير منها. وعند الشافعي: أنه إن ظهر القمل على بدنه أو ثيابه، لم يكره له أن ينحيه، لأنه ألجأه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن قتل القمل لا فدية فيه، وهو مذهب أحمد وأصحابه مع أن عنه روايتين:
أحداهما: إباحة قتله، لأنه يؤذي، والأخرى منع قتله، لأن فيه ترفها.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر أقوال أهل العلم عندي في ذلك: أن القمل لا يجوز قتله، وأخذه من الرأس، بدليل قصة كعب بن عجرة المتقدمة، فإنه لو كان قتله يجوز لما صبر على أذاه، ولتسبب في التفلي، لإزالته من رأسه، كما هو العادة المعروفة فيمن آذاه القمل، وهو غير محرم إن لم يرد الحلق، وأنه لا شيء على من قتله. والدليل على ذلك أمران.
أحدهما: أن الأصل عدم الوجوب إلا لدليل، ولا دليل على لزوم شيء في قتل القمل، مع أنه يؤذي أشد الإيذاء.
الأمر الثاني: أن ظاهر حديث كعب بن عجرة المتفق عليه، وظاهر القرآن العظيم كلاهما: يدل على أن الفدية إنما لزمت بسبب حلق الرأس، مع كثرة ما فيه من القمل، فلو كانت الفدية تلزم من قتل القمل، وإزالته، لبينه صلى الله عليه وسلم فقوله تعالى * (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * ظاهره أن الأذى الذي برأسه من القمل ونحوه: كالمرض في إباحة الحلق، وأن الفدية لزمت بسبب الحلق لا بسبب المرض، ولا بسبب إزالة القمل، وكذلك