أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٦٣
وهارون) *، وقوله في (الشعراء): * (فألقى موسى عصاه فإذا هى تلقف ما يأفكون فألقى السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون) *، وقوله: * (فألقى) * يدل على قوة البرهان الذي عاينوه. كأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التي عاينوها. وذكر في قصتهم أنهم عاينوا منازلهم في الجنة في سجودهم. والظاهر أن ذلك من نوع الإسرائيليات، وأطلق عليهم اسم السحرة في حال سجودهم لله مؤمنين به نظرا إلى حالهم الماضية. كقوله: * (وءاتوا اليتامى أموالهم) * فأطلق عليهم اسم اليتم بعد البلوغ نظرا إلى الحال الماضية كما هو معروف في محله.
والظاهر أن تقديم هارون على موسى في هذه الآية لمراعاة فواصل الآيات.
واعلم أن علم السحر مع خسته، وأن الله صرح بأنه لا يضر ولا ينفع، قد كان سببا لإيمان سحرة فرعون. لأنهم لمعرفتهم بالسحر عرفوا معجزة العصا خارجة عن طور السحر، وأنها أمر إلهي فلم يداخلهم شك في ذلك. فكان ذلك سببا لإيمانهم الراسخ الذي لا يزعزعه الوعيد والتهديد. ولو كانوا غير عالمين بالسحر جدا، لأمكن أن يظنوا أن مسألة العصا من جنس الشعوذة. والعلم عند الله تعالى.
* (قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فى جذوع النخل ولتعلمن أينآ أشد عذابا وأبقى * قالوا لن نؤثرك على ما جآءنا من البينات والذى فطرنا فاقض مآ أنت قاض إنما تقضى هاذه الحيواة الدنيآ * إنآ آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ومآ أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى * إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى * ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولائك لهم الدرجات العلى * جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذالك جزآء من تزكى * ولقد أوحينآ إلى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى * فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم * وأضل فرعون قومه وما هدى) * قوله تعالى: * (قال ءامنتم له قبل أن ءاذن لكم إنه لكبيركم الذى علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم فى جذوع النخل ولتعلمن أينآ أشد عذابا وأبقى) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن سحرة فرعون لما آمنوا برب هارون وموسى قال لهم فرعون منكرا عليهم: * (ءامنتم له) * أي صدقتموه في أنه نبي مرسل من الله، وآمنتم بالله قبل أن آذن لكم. يعني أنهم لم يكفوا عن الإيمان حتى يأذن لهم، لأنه يزعم أنهم لا يحق لهم أن يفعلوا شيئا إلا بعد إذنه هو لهم. وقال لهم أيضا: إن موسى هو كبيرهم. أي كبير السحرة وأستاذهم الذي علمهم السحر. ثم هددهم مقسما على أنه يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف: يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى مثلا. لأنه أشد على الإنسان من قطعهما من جهة واحدة. لأنه إن كان قطعهما من جهة واحدة يبقى عنده شق كامل صحيح، بخلاف قطعهما من خلاف. فالجنب الأيمن يضعف بقطع اليد، والأيسر يضعف بقطع الرجل كما هو معلوم. وأنه يصلبهم في جذوع النخل، وجذع النخلة هو أخشن جذع من جذوع الشجر، والتصليب عليه أشد من التصليب على غيره من
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»