أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٥٢
لا على عاقلته. لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني. وقال أصحابنا: ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة، وإنما يتصور باعتراف الساحر، والله أعلم. انتهى كلام النووي.
وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على قول البخاري رحمه الله: (باب السحر) وقول الله تعالى: * (ولاكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) *: وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبد للشياطين أو الكواكب. وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر من تعلمه أصلا.
قال النووي. عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرا. ومنه ما لا يكون كفرا، بل معصية كبيرة. فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا. وأما تعلمه وتعليمه فحرام إلى آخر كلام النووي الذي ذكرناه عنه آنفا. ثم إن ابن حجة لما نقله عنه قال: وفي المسألة اختلاف كبير وتفاصيل ليس هذا موضع بسطها ا ه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق في هذه المسألة إن شاء الله تعالى أن السحر نوعان كما تقدم؟ منه ما هو كفر، ومنه ما لا يبلغ بصاحبه الكفر، فإن كان الساحر استعمل السحر الذي هو كفر فلا شك في أنه يقتل كفرا؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه). وأظهر القولين عندي في استتابته أنه يستتاب، فإن تاب قبلت توبته. وقد بينت في كتابي (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة (آل عمران) أن أظهر القولين دليلا أن الزنديق تقبل توبته؟ لأن الله لم يأمر نبيه ولا أمته صلى الله عليه وسلم بالتنقيب عن قلوب الناس؟ بل بالاكتفاء بالظاهر. وما يخفونه في سرائرهم أمره إلى الله تعالى. خلافا للإمام مالك رحمه الله وأصحابه القائلين بأن الساحر له حكم الزنديق. لأنه مستمر بالكفر والزنديق لا تقبل توبته عنده إلا إذا جاء تائبا قبل الاطلاع عليه. وأظهر القولين عندي: أن المرأة الساحرة حكمها حكم الرجل الساحر وأنها إن كفرت بسحرها قتلت كما يقتل الرجل. لأن لفظة (من) في قوله: (من بدل دينه فاقتلوه) تشمل الأنثى على أظهر القولين وأصحهما إن شاء الله تعالى. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: * (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى) *. فأدخل الأنثى في لفظة (من)، وقوله تعالى: * (يانسآء النبى من يأت منكن) *، وقوله: * (ومن يقنت منكن لله) *، إلى غير ذلك من الآيات. وإلى هذه المسألة التي هي شمول لفظة (من) في الكتاب والسنة
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»