واعلم أن العلماء اختلفوا: هل فعل بهم فرعون ما توعدهم به، أو لم يفعله بهم؟ فقال قوم: قتلهم وصلبهم. وقوم أنكروا ذلك، وأظهرهما عندي: أنه لم يقتلهم، وأن الله عصمهم منه لأجل إيمانهم الراسخ بالله تعالى. لأن الله يقول لموسى وهارون: * (أنتما ومن اتبعكما الغالبون) * والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (قالوا لن نؤثرك على ما جآءنا من البينات والذى فطرنا فاقض مآ أنت قاض إنما تقضى هاذه الحيواة الدنيآ) *. قوله: * (لن نؤثرك) * أي لن نختار اتباعك وكوننا من حزبك، وسلامتنا من عذابك على ما جاءنا من البينات. كمعجزة العصا التي أتتنا وتيقنا صحتها. والواو في قوله * (والذى فطرنا) * عاطفة على (ما) من قوله: * (على ما جآءنا) * أي لن نختارك * (على ما جآءنا من البينات) * ولا على * (والذى فطرنا) * أي خلقنا وأبرزنا من العدم إلى الوجود. وقيل: هي واو القسم والمقسم عليه محذوف دل عليه ما قبله. أي * (والذى فطرنا) * لا تؤثرك * (على ما جآءنا من البينات) *، * (فاقض مآ) * أي اصنع ما أنت صانع. فلسنا راجعين عما نحن عليه * (إنما تقضى هاذه الحيواة الدنيآ) * أي إنما ينفذ أمرك فيها. ف (هذه) منصوب على الظرف على الأصح. أي وليس فيها شيء يهم لسرعة زوالها وانقضائها.
وما ذكره جل وعلا عنهم في هذا الموضع: من ثباتهم على الإيمان، وعدم مبالاتهم بتهديد فرعون ووعيده رغبة فيما عند الله قد ذكره في غير هذا الموضع. كقوله في (الشعراء) عنهم في القصة بعينها: * (قالوا لا ضير إنآ إلى ربنا منقلبون) *. وقوله في (الأعراف): * (قالوا إنآ إلى ربنا منقلبون وما تنقم منآ إلا أن ءامنا بأايات ربنا لما جآءتنا ربنآ أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) *. وقوله: * (فاقض مآ أنت قاض) * عائد الصلة محذوف، أي ما أنت قاضيه لأنه مخفوض بالوصف، كما أشار له في الخلاصة بقوله: فاقض مآ أنت قاض) * عائد الصلة محذوف، أي ما أنت قاضيه لأنه مخفوض بالوصف، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
* كذاك حذف ما يوصف خفضا * كأنت قاض بعد أمر من قضى * ونظيره من كلام العرب قول سعد بن ناشب المازني: ونظيره من كلام العرب قول سعد بن ناشب المازني:
* ويصغر في عيني تلادي إذا انثنت * يميني بإدراك الذي كنت طالبا *