وقال ابن حجر في فتح الباري ما نصه: (تكميل) قال ابن القيم رحمه الله: من أنفع الأدوية، وأقوى ما يوجد من النشرة مقاومة السحر الذي هو من تأثيرات الأرواح الخبيثة بالأدوية الإلهية: من الذكر، والدعاء، والقراءة. فالقلب إذا كان ممتلئا من الله، معمورا بذكره، وله ورد من الذكر والدعاء والتوجه، لا يخل به كان ذلك من أعظم الأسباب المانعة من إصابة السحر له. قال: وسلطان تأثير السحر هو في القلوب الضعيفة. ولهذا غالب ما يؤثر فيه النساء والصبيان والجهال. لأن الأرواح الخبيثة إنما تنشط على الأرواح، تلقاها مستعدة لما يناسبها انتهى ملخصا. ويعكر عليه حديث الباب، وجواز السحر على النبي صلى الله عليه وسلم، مع عظيم مقامه، وصدق توجهه، وملازمة ورده ولكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن الذي ذكره محمول على الغالب، وإنما وقع به صلى الله عليه وسلم لبيان تجويز ذلك، والله أعلم انتهى من فتح الباري.
المسألة التاسعة اعلم أن العلماء اختلفوا في تحقيق القدر الذي يمكن أن يبلغه تأثير السحر في المسحور، واعلم أن لهذه المسألة واسطة وطرفين: طرف لا خلاف في أن تأثير السحر يبلغه كالتفريق بين الرجل وامرأته، وكالمرض الذي يصيب المسحور من السحر ونحو ذلك، ودليل ذلك القرآن والسنة الصحيحة. أما القرآن فقوله تعالى: * (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) * فصرح جل وعلا في هذه الآية الكريمة بأن من تأثير السحر التفريق بين المرء وزوجه. وأما السنة فما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة رضي الله عنها بألفاظ متعددة متقاربة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. فقال: (يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند دجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم رجل من بني زريق حليف اليهودي كان منافقا، قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاطة؟ قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان) قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: (هذه البئر التي أربتها، وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكان نخلها رؤوس الشياطين، فاستخرج) قالت فقلت: أفلا أي تنشرت؟ فقال: (أما الله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرا) ا ه هذا لفظ البخاري في بعض رواياته لهذا الحديث. والقصة مشهورة صحيحة. ففي هذا الحديث الصحيح: أن تأثير السحر فيه صلى الله عليه وسلم سبب له