أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٦١
قال بعض العلماء: لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت. فلا يبقى على هذا للملحد حجة.
وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته م الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر من ذلك كما هو شأن المعقود: ويكون قوله في الرواية الأخرى (حتى كاد ينكر بصره) أي صار كالذي أنكر بصره بحيث إنه إذا رأى الشيء يخيل إليه أنه على غير صفته. فإذا تأمله عرف حقيقته. ويؤيد جميع ما تقدم أنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم في خبر من الأخبار أنه قال قولا فكان بخلاف ما أخبر به. وقال المهلب: صون النبي صلى الله عليه وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده، فقد مضى في الصحيح: أن شيطانا أراد أن يفسد عليه صلاته، فأمكنه الله منه. فكذلك السحر ما ناله من ضرره ما يدخل نقصا على ما يتعلق بالتبليغ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض: من ضعف عن الكلام، أو عجز عن بعض الفعل، أو حدوث تخيل لا يستمر بل يزول. ويبطل الله كيد الشياطين.
واستدل ابن القصار على أن الذي أصابه كان من جنس المرض بقوله في آخر الحديث: (أما أنا فقد شفاني الله) وفي الاستدلال به نظر. لكن يؤيد المدعي أن في رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي في الدلائل: فكان يدور ولا يدري ما وجعه. وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد: مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ عن النساء والطعام والشراب. فهبط عليه ملكان. الحديث انتهى من (فتح الباري).
وعلى كل حال فهو صلى الله عليه وسلم معصوم بالإجماع من كل ما يؤثر خللا في التبليغ والتشريع. وأما بالنسبة إلى الأعراض البشرية: كأنواع الأمراض والآلام، ونحو ذلك فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر. لأنهم بشر كما قال تعالى عنهم: * (إن نحن إلا بشر مثلكم ولاكن الله يمن على من يشآء من عباده) * ونحو ذلك من الآيات.
وأما قوله تعالى: * (إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) * فمعناه أنهم يزعمون أنه صلى الله عليه وسلم مسحور أو مطبوب، قد خبله السحر فاختلط عقله فالتبس عليه أمره. يقولون ذلك لينفروا الناس عنه. وقال مجاهد: (مسحورا) أي مخدوعا. مثل قوله * (فأنى تسحرون) * أي من أين تخدعون. ومعنى هذا راجع إلى
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»