أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٩
* (كطى السجل للكتب) * راجعة إلى أمرين:
الأول أن السجل الصحيفة: والمراد بالكتب: ما كتب فيها، واللام بمعنى علي، أي كطي السجل على الكتب، أي كطي الصحيفة على ما كتب فيها، وعلى هذا فطي السجل مصدر مضاف إلى مفعوله، لأن السجل على هذا المعنى مفعول الطي.
الثاني أن السجل ملك من الملائكة، وهو الذي يطوي كتب أعمال بني آدم إذا رفعت إليه، ويقال: إنه في السماء الثالثة، ترفع إليه الحفظة الموكلون بالخلق أعمال بني آدم في كل خميس واثنين، وكان من أعوانه (فيما ذكروا) هاروت وماروت، وقيل، إنه لا يطوي الصحيفة حتى يموت صاحبها فيرفعها ويطويها إلى يوم القيامة، وقول من قال: إن السجل صحابي، كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم ظاهر السقوط كما ترى.
وقوله في هذه الآية الكريمة (للكتاب) قرأه عامة السبعة غير حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (للكتاب) بكسر الكاف وفتح التاء بعدها ألف بصيغة الإفراد. وقرأه حمزة والكسائي وحفص عن عاصم (للكتب) بضم الكاف والتاء بصيغة الجمع. ومعنى القراءتين واحد. لأن المراد بالكتاب على قراءة الإفراد جنس الكتاب، فيشمل كل الكتب. قوله تعالى: * (ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الا رض يرثها عبادى الصالحون) *. أظهر الأقوال عندي في هذه الآية الكريمة: أن الزبور الذي هو الكتاب يراد به جنس الكتاب فيشمل الكتب المنزلة، كالتوراة والإنجيل، وزبور داود، وغير ذلك. وأن المراد بالذكر: أم الكتاب، وعليه فالمعنى: ولقد كتبنا في الكتب المنزلة على الأنبياء أن الأرض يرثها عبادي الصالحون بعد أن كتبنا ذلك في أم الكتاب. وهذا المعنى واضح لا إشكال فيه. وقيل الزبور في الآية: زبور داود، والذكر: التوراة. وقيل غير ذلك. وأظهرها هو ما ذكرنا واختاره غير واحد.
واعلم أن قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن الآية قد يكون فيها قولان للعلماء، وكلاهما حق ويشهد له قرآن فنذكر الجميع. لأنه كله حق داخل في الآية. ومن ذلك هذه الآية الكريمة، لأن المراد بالأرض في قوله هنا * (أن الا رض يرثها عبادى الصالحون) * فيه للعلماء وجهان:
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 254 255 ... » »»