أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٤
قوم يونس لمآ ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى فى الحيواة الدنيا ومتعناهم إلى حين) *.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (وكذالك ننجى المؤمنين) * يدل على أنه ما من مؤمن يصيبه الكرب والغم فيبتهل إلى الله داعيا بإخلاص، إلا نجاه الله من ذلك الغم، ولا سيما إذا دعا بدعاء يونس هذا. وقد جاء في حديث مرفوع عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعاء يونس المذكور: (لم يدع به مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له) رواه أحمد والترمذي وابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهم. والآية الكريمة شاهدة لهذا الحديث شهادة قوية كما ترى، لأنه لما ذكر أنه أنجى يونس شبه بذلك إنجاءه المؤمنين. وقوله * (ننجى المؤمنين) * صيغة عامة في كل مؤمن كما ترى. وقرأ عامة القراء السبعة غير ابن عامر وشعبة عن عاصم * (وكذالك ننجى المؤمنين) * بنونين أولاهما مضمومة، والثانية ساكنة بعدها جيم مكسورة مخففة فياء ساكنة، وهو مضارع أنجى الرباعي على صيغة أفعل، والنون الأولى دالة على العظمة، وقرأ ابن عامر وشعبة عن عاصم * (وكذالك ننجى المؤمنين) * بنون واحدة مضمومة بعدها جيم مكسورة مشددة فياء ساكنة. وهو على هذه القراءة بصيغة فعل ماض مبني للمفعول من نجى المضعفة على وزن فعل بالتضعيف. وفي كلتا القراءتين إشكال معروف. أما قراءة الجمهور فهي من جهة القواعد العربية واضحة لا إشكال فيها، ولكن فيها إشكال من جهة أخرى، وهي: أن هذا الحرف إنما كتبه الصحابة في المصاحف العثمانية بنون واحدة، فيقال: كيف تقرأ بنونين وهي في المصاحف بنون واحدة؟ وأما على قراءة ابن عامر وشعبة بالإشكال من جهة القواعد العربية، لأن نجى على قراءتهما بصيغة ماض مبني للمفعول، فالقياس رفع * (المؤمنين) * بعده على أنه نائب الفاعل، وكذلك القياس فتح باء (نجى) لا إسكانها.
وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة: منها ما ذكره بعض الأئمة، وأشار إليه ابن هشام في باب الإدغام من توضيحه: أن الأصل في قراءة ابن عامر وشعبة (ننجي) بفتح النون الثانية مضارع نجى مضعفا، فحذفت النون الثانية تخفيفا. أو ننجي بسكونها مضارع أنجى وأدغمت النون في الجيم لاشتراكهما في الجهر والانفتاح والتوسط بين القوة والضعف، كما أدغمت في (إجاصة وإجابة) بتشديد الجيم فيهما، أو الأصل (إنجاصة وإنجانة) فأدغمت النون فيهما. والإجاصة: واحدة الإجاص، قال في القاموس: الإجاص بالكسر مشددا: ثمر معروف دخيل، لأن الجيم والصاد لا يجتمعان في كلمة، الواحدة بهاء. ول
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»