أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٦
أمرهم بينهم كل إلينا راجعون) *. قد قدمنا معاني (الأمة) في القرآن في سورة (هود). والمراد بالأمة هنا: الشريعة والملة. والمعنى: وأن هذه شريعتكم شريعة واحدة، وهي توحيد الله على الوجه الأكمل من جميع الجهات، وامتثال أمره، واجتناب نهيه بإخلاص في ذلك. على حسب ما شرعه لخلقه * (وأنا ربكم فاعبدون) * أي وحدي. والمعنى دينكم واحد وربكم واحد، فلم تختلفون * (وتقطعوا أمرهم بينهم) * أي تفرقوا في الدين وكانوا شيعا. فمنهم يهودي، ومنهم نصراني، ومنهم عابد وثن إلى غير ذلك من الفرق المختلفة.
ثم بين بقوله: * (كل إلينا راجعون) * أنهم جميعهم راجعون إليه يوم القيامة، وسيجازيهم بما فعلوا. وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة * (وتقطعوا أمرهم بينهم) * المعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه. فيصير لهذا نصيب ولذلك نصيب. تمثيلا لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقا شتى ا ه.
وظاهر الآية أن (تقطع) متعدية إلى المفعول ومفعولها (أمرهم) ومعنى تقطعوه. أنهم جعلوه قطعا كما ذكرنا. وقال القرطبي قال الأزهري: * (وتقطعوا أمرهم) * أي تفرقوا في أمرهم فنصب (أمرهم) بحذف (في) ومن إطلاق الأمة بمعنى الشريعة والدين كما في هذه الآية: قوله تعالى عن الكفار: * (إنا وجدنآ ءابآءنا على أمة) * أي على شريعة وملة ودين. ومن ذلك قول نابغة ذبيان: إنا وجدنآ ءابآءنا على أمة) * أي على شريعة وملة ودين. ومن ذلك قول نابغة ذبيان:
* حلفت فلم أترك في نفسك ريبة * وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع * ومعنى قوله: (وهل يأثمن ذو أمة.. الخ) أن صاحب الدين لا يرتكب الإثم طائعا.
وما ذكره جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين: من أن الدين واحد والرب واحد فلا داعي للاختلاف. وأنهم مع ذلك اختلفوا أو صاروا فرقا أوضحه في سورة * (قد أفلح المؤمنون) * وزاد أن كل حزب من الأحزاب المختلفة فرحون بما عندهم. وذلك في قوله تعالى: * (ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم وإن هاذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»