أمرهم بينهم كل إلينا راجعون) *. قد قدمنا معاني (الأمة) في القرآن في سورة (هود). والمراد بالأمة هنا: الشريعة والملة. والمعنى: وأن هذه شريعتكم شريعة واحدة، وهي توحيد الله على الوجه الأكمل من جميع الجهات، وامتثال أمره، واجتناب نهيه بإخلاص في ذلك. على حسب ما شرعه لخلقه * (وأنا ربكم فاعبدون) * أي وحدي. والمعنى دينكم واحد وربكم واحد، فلم تختلفون * (وتقطعوا أمرهم بينهم) * أي تفرقوا في الدين وكانوا شيعا. فمنهم يهودي، ومنهم نصراني، ومنهم عابد وثن إلى غير ذلك من الفرق المختلفة.
ثم بين بقوله: * (كل إلينا راجعون) * أنهم جميعهم راجعون إليه يوم القيامة، وسيجازيهم بما فعلوا. وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة * (وتقطعوا أمرهم بينهم) * المعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه. فيصير لهذا نصيب ولذلك نصيب. تمثيلا لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقا شتى ا ه.
وظاهر الآية أن (تقطع) متعدية إلى المفعول ومفعولها (أمرهم) ومعنى تقطعوه. أنهم جعلوه قطعا كما ذكرنا. وقال القرطبي قال الأزهري: * (وتقطعوا أمرهم) * أي تفرقوا في أمرهم فنصب (أمرهم) بحذف (في) ومن إطلاق الأمة بمعنى الشريعة والدين كما في هذه الآية: قوله تعالى عن الكفار: * (إنا وجدنآ ءابآءنا على أمة) * أي على شريعة وملة ودين. ومن ذلك قول نابغة ذبيان: إنا وجدنآ ءابآءنا على أمة) * أي على شريعة وملة ودين. ومن ذلك قول نابغة ذبيان:
* حلفت فلم أترك في نفسك ريبة * وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع * ومعنى قوله: (وهل يأثمن ذو أمة.. الخ) أن صاحب الدين لا يرتكب الإثم طائعا.
وما ذكره جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين: من أن الدين واحد والرب واحد فلا داعي للاختلاف. وأنهم مع ذلك اختلفوا أو صاروا فرقا أوضحه في سورة * (قد أفلح المؤمنون) * وزاد أن كل حزب من الأحزاب المختلفة فرحون بما عندهم. وذلك في قوله تعالى: * (ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم وإن هاذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم