الصحيحة السالمة من الاختلال.
تنبيه في هذه الآيات المذكورة سؤال معروف، وهو أن يقال: إن قول أيوب المذكور في (الأنبياء) في قوله، * (إذ نادى ربه أنى مسنى الضر) * وفي (ص) في قوله، * (إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب) * يدل على أنه ضجر من المرض فشكا منه. مع أن قوله تعالى، * (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) * يدل على كمال صبره؟
والجواب أن ما صدر من أيوب دعاء وإظهار فقر وحاجة إلى ربه، لا شكوى ولا جزع.
قال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة، ولم يكن قوله * (مسنى الضر) * جزعا. لأن الله تعالى قال: * (إنا وجدناه صابرا) * بل كان ذلك دعاء منه. والجزع في الشكوى إلى الخلق لا إلى الله تعالى، والدعاء لا ينافي الرضا. قال الثعلبي: سمعت أستاذنا أبا القاسم بن حبيب يقول: حضرت مجلسا غاصا بالفقهاء والأدباء في دار السلطان. فسئلت عن هذه الآية الكريمة بعد اجتماعهم على أن قول أيوب كان شكاية وقد قال الله تعالى: * (إنا وجدناه صابرا) * فقلت: ليس هذا شكاية، وإنما كان دعاء. بيانه * (فاستجبنا له) * والإجابة تتعقب الدعاء لا الاشتكاء. فاستحسنوه وارتضوه. وسئل الجنيد عن هذه الآية الكريمة فقال: عرفه فاقة السؤال ليمن عليه بكرم النوال انتهى منه.
ودعاء أيوب المذكور ذكره الله في سورة (الأنبياء) من غير أن يسند مس الضر أيوب إلى الشيطان في قوله: * (أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين) * وذكره في سورة (ص) وأسند ذلك الشيطان في قوله: * (أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب) * والنصب على جميع القراءات معناه: التعب والمشقة، والعذاب: الألم. وفي نسبة ما أصابه من المشقة والألم إلى الشيطان في سورة (ص) هذه إشكال قوي معروف. لأن الله ذكر في آيات من كتابه: أن الشيطان ليس له سلطان على مثل أيوب من الأنبياء الكرام. كقوله: * (إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) *، وقوله تعالى: * (وما كان له