أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٥١
له وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم. لأنه جاءهم بما يسعدهم وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه. ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى. وضرب بعض أهل العلم لهذا مثلا قال: لو فجر الله عينا للخلق غزيرة الماء، سهلة التنازل. فسقى الناس زروعهم ومواشيهم بمائها. فتتابعت عليهم النعم بذلك، وبقي أناس مفرطون كسالى عن العمل. فضيعوا نصيبهم من تلك العين، فالعين المفجرة في نفسها رحمة من الله، ونعمة للفريقين. ولكن الكسلان محنة على نفسه حيث حرمها ما ينفعها. ويوضح ذلك قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار) *. وقيل: كونه رحمة للكفار من حيث إن عقوبتهم أخرت بسببه، وأمنوا به عذاب الاستئصال. والأول أظهر.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أنه ما أرسله إلا رحمة للعالمين يدل على أنه جاء بالرحمة للخلق فيما تضمنه هذا القرآن العظيم. وهذا المعنى جاء موضحا في مواضع من كتاب الله، كقوله تعالى: * (أولم يكفهم أنآ أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن فى ذالك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) *، وقوله: * (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك) *.
وقد قدمنا الآيات الدالة على ذلك في سورة (الكهف) في موضعين منها. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين. قال: (إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة). قوله تعالى: * (فإن تولوا فقل ءاذنتكم على سوآء) *. قوله * (فإن تولوا) * أي أعرضوا وصدوا عما تدعوهم إليه * (فقل ءاذنتكم على سوآء) * أي أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي، بريء منكم كما أنتم برآء مني. وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية أشارت إليه آيات أخر، كقوله: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآء) * أي ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء. وقوله تعالى: * (وإن كذبوك فقل لى عملى ولكم عملكم أنتم بريئون ممآ أعمل وأنا برىء مما تعملون) *. وقوله: * (ءاذنتكم) * الأذان: الإعلام. ومنه الأذان الصلاة. وقوله تعالى: * (وأذان من الله) *، أي إعلام منه، قوله: * (فأذنوا بحرب من الله) *، أي اعلموا. ومنه قول
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 254 255 256 257 ... » »»