أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٥٣
عمته، ومثل بهما، وقتل غيرهما من المهاجرين، وقتل سبعون رجلا من الأنصار، وجرح صلى الله عليه وسلم، وشقت شفته، وكسرت رباعيته، وشج صلى الله عليه وسلم.
استشكل المسلمون ذلك وقالوا: كيف يدال منا المشركون؟ ونحن على الحق وهم على الباطل؟ ا فأنزل الله قوله تعالى: * (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هاذا قل هو من عند أنفسكم) *. وقوله تعالى: * (قل هو من عند أنفسكم) *. فيه إجمال بينه تعالى بقوله: * (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم فى الا مر وعصيتم من بعد مآ أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الا خرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم) *.
ففي هذه الفتوى السماوية بيان واضح. لأن سبب تسليط الكفار على المسلمين هو فشل المسلمين، وتنازعهم في الأمر، وعصيانهم أمره صلى الله عليه وسلم، وإرادة بعضهم الدنيا مقدما لها على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد أوضحنا هذا في سورة (آل عمران) ومن عرف أصل الداء. عرف الدواء. كما لا يخفى.
المشكلة الثالثة هي اختلاف القلوب الذي هو أعظم الأسباب في القضاء على كيان الأمة الإسلامية. لاستلزامه الفشل، وذهاب القوة والدولة. كما قال تعالى: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) *.
وقد أوضحنا معنى هذه الآية في سورة (الأنفال).
فترى المجتمع الإسلامي اليوم في أقطار الدنيا يضمر بعضهم لبعض العداوة والبغضاء، وإن جامل بعضهم بعضا فإنه لا يخفى على أحد أنها مجاملة، وأن ما تنطوي عليه الضمائر مخالف لذلك.
وقد بين تعالى في سورة (الحشر) أن سبب هذا الداء الذي عمت به البلوى إنما هو ضعف العقل. قال تعالى: * (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) * ثم ذكر العلة لكون قلوبهم شتى بقوله: * (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) *. ولا شك أن داء ضعف العقل الذي يصيبه فيضعفه عن إدراك الحقائق، وتمييز الحق من الباطل، والنافع من الضار، والحسن من القبيح، لا دواء له إلا إنارته بنور الوحي. لأن نور الوحي يحيا به من كان ميتا ويضيء الطريق للمتمسك به. فيريه الحق حقا والباطل باطلا، والنافع نافعا، والضار ضارا. قال تعالى: * (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به فى الناس
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»