الليل والنهار يعلمون عدد الأيام والشهور والأعوام، ويعرفون بذلك يوم الجمعة ليصلوا فيه صلاة الجمعة، ويعرفون شهر الصوم، وأشهر الحج، ويعلمون مضي أشهر العدة لمن تعتد بالأشهر المشار إليها في قوله: * (واللائى يئسن من المحيض من نسآئكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن) *، وقوله: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *. ويعرفون مضي الآجال المضروبة للديون والإجارات، ونحو ذلك.
وبين جل وعلا هذه الحكمة في مواضع أخر، كقوله: * (هو الذى جعل الشمس ضيآء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذالك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) *. وقوله جل وعلا: * (يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله جل وعلا في هذه الآية الكريمة: * (فمحونآ ءاية اليل وجعلنآ ءاية النهار مبصرة) * فيه وجهان من التفسير للعلماء:
أحدهما أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير: وجعلنا نيرى الليل والنهار، أي الشمس والقمر آيتين.
وعلى هذا القول فآية الليل هي القمر، وآية النهار هي الشمس. والمحو الطمس. وعلى هذا القول فمحو آية الليل قيل معناه السواد الذي في القمر. وبهذا قال علي رضي الله عنه، ومجاهد، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقيل: معنى * (فمحونآ ءاية اليل) * أي لم نجعل في القمر شعاعا كشعاع الشمس ترى به الأشياء رؤية بينة. فنقص نور القمر عن نور الشمس هو معنى الطمس على هذا القول.
وهذا أظهر عندي لمقابلته تعالى له بقوله: * (وجعلنآ ءاية النهار مبصرة) * والقول بأن معنى محو آية الليل: السواد الذي في القمر ليس بظاهر عندي وإن قال به بعض الصحابة الكرام، وبعض أجلاء أهل العلما وقوله: * (وجعلنآ ءاية النهار) * على التفسير المذكور أي الشمس * (مبصرة) * أي ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء على حقيقته.
قال الكسائي: هو من قول العرب: أبصر النهار: إذا أضاء وصار بحالة يبصر