أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٥١
والتوكل عليه. لأن الله قوي عزيز، قاهر لكل شيء. فمن كان من حزبه على الحقيقة لا يمكن أن يغلبه الكفار ولو بلغوا من القوة ما بلغوا.
فمن الأدلة المبينة لذلك: أن الكفار لما ضربوا على المسلمين ذلك الحصار العسكري العظيم في غزوة الأحزاب المذكور في قوله تعالى * (إذ جآءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الا بصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) * كان علاج ذلك هو ما ذكرنا. فانظر شدة هذا الحصار العسكري وقوة أثره في المسلمين، مع أن جميع أهل الأرض في ذلك الوقت مقاطعوهم سياسة واقتصادا. فإذا عرفت ذلك فاعلم أن العلاج الذي قابلوا به هذا الأمر العظيم، وحلوا به هذه المشكلة العظمى، هو ما بينه جل وعلا (في سورة الأحزاب) بقوله: * (ولما رأى المؤمنون الا حزاب قالوا هاذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) *.
فهذا الإيمان الكامل، وهذا التسليم العظيم لله جل وعلا، ثقة به، وتوكلا عليه، هو سبب حل هذه المشكلة العظمى.
وقد صرح الله تعالى بنتيجة هذا العلاج بقوله تعالى: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف فى قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شىء قديرا) *.
وهذا الذي نصرهم الله به على عدوهم ما كانوا يظنونه، ولا يحسبون أنهم ينصرون به وهو الملائكة والريح. قال تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جآءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها) * ولما علم جل وعلا من أهل بيعة الرضوان الإخلاص الكامل، ونوه عن إخلاصهم بالاسم المبهم الذي هو الموصول في قوله: * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم) *: أي من الإيمان والإخلاص كان من نتائج ذلك ما ذكره الله جل وعلا في قوله * (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شىء قديرا) * فصرح جل وعلا في هذه الآية بأنهم لم يقدروا
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»