أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٥٢
عليها، وأن الله جل وعلا أحاط بها فأقدرهم عليها، وذلك من نتائج قوة إيمانهم وشدة إخلاصهم.
فدلت الآية على أن الإخلاص لله وقوة الإيمان به، هو السبب لقدرة الضعيف على القوي وغلبته له * (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) *، وقوله تعالى في هذه الآية: * (لم تقدروا عليها) * فعل في سياق النفي، والفعل في سياق النفي من صيغ العموم على التحقيق، كما تقرر في الأصول. ووجهه ظاهر. لأن الفعل الصناعي (أعني الذي يسمى في الاصطلاح فعل الأمر أو الفعل الماضي أو الفعل المضارع) ينحل عند النحويين، وبعض البلاغيين عن مصدر وزمن، كما أشار له في الخلاصة بقوله: لم تقدروا عليها) * فعل في سياق النفي، والفعل في سياق النفي من صيغ العموم على التحقيق، كما تقرر في الأصول. ووجهه ظاهر. لأن الفعل الصناعي (أعني الذي يسمى في الاصطلاح فعل الأمر أو الفعل الماضي أو الفعل المضارع) ينحل عند النحويين، وبعض البلاغيين عن مصدر وزمن، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
* المصدر اسم ما سوى الزمان من * مدلولي الفعل كأمن من أمن * وعند جماعة من البلاغيين ينحل عن مصدر وزمن ونسبة، وهذا هو الظاهر كما حرره بعض البلاغيين، في بحث الاستعارة التبعية.
فالمصدر إذن كامن في مفهوم الفعل إجماعا. فيتسلط النفي الداخل على الفعل على المصدر الكامن في مفهومه، وهو في المعنى نكرة. إذ ليس له سبب يجعله معرفة، فيؤول إلى معنى النكرة في سياق النفي، وهي من صيغ العموم.
فقوله: * (لم تقدروا عليها) * في معنى لا قدرة لكم عليها، وهذا يعم سلب جميع أنواع القدرة. لأن النكرة في سياق النفي تدل على عموم السلب وشموله لجميع الأفراد الداخلة تحت العنوان. كما هو معروف في محله.
وبهذا تعلم أن جميع أنواع القدرة عليها مسلوب عنهم، ولكن الله جل وعلا أحاط بها فأقدرهم عليها. لما علم من الإيمان والإخلاص في قلوبهم * (وإن جندنا لهم الغالبون) *.
المشكلة الثانية هي تسليط الكفار على المؤمنين بالقتل والجراح وأنواع الإيذاء مع أن المسلمين على الحق. والكفار على الباطل.
وهذه المشكلة استشكلها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فأفتى الله جل وعلا فيها، وبين السبب في ذلك بفتوى سماوية تتلى في كتابه جل وعلا.
وذلك أنه لما وقع ما وقع بالمسلمين يوم أحد: فقتل عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»