بالليل كسله ونومه، فكان نهاره هائما، وليله نائما ا ه. محل الغرض من كلام القرطبي. وما تضمنه كلامه من الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبغض الحبر السمين) فيه نظر، لأنه لم يصح مرفوعا، وقد حسنه البيهقي من كلام كعب. وما ذكر من ذم كثرة الأكل والشرب والسمن المكتسب ظاهر وأدلته كثيرة (وحسب المؤمن لقيمات يقمن صلبه).
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا * قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا * قل إنمآ أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنمآ إلاهكم إلاه واحد فمن كان يرجو لقآء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * قوله تعالى: * (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الأعمال الصالحة والإيمان سبب في نيل جنات الفردوس. والآيات الموضحة لكون العمل الصالح سببا في دخول الجنة كثيرة جدا. كقوله تعالى: * (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا) *، وقوله: * (أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) * أي بسببه، وقوله تعالى: * (وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون) *. وقوله تعالى: * (إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولائك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن التى وعد الرحمان عباده بالغيب) *، إلى غير ذلك من الآيات.
تنبيه فإن قيل هذه ا لآيات فيها الدلالة على أن طاعة الله بالإيمان والعمل الصالح سبب في دخول الجنة. وقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم عمله الجنة) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا يتغمدني الله برحمة منه وفضل) يرد بسببه إشكال على ذلك.
فالجواب أن العمل لا يكون سببا لدخول الجنة إلا إذا تقبله الله تعالى وتقبله له فضل منه. فالفعل الذي هو سبب لدخول الجنة هو الذي تقبله الله بفضله، وغيره من الأعمال لا يكون سببا لدخول الجنة. والجمع بين الحديث والآيات المذكورة أوجه أخر، هذا أظهرها عندي. والعلم عند الله تعالى. وقد قدمنا أن (النزل) هو ما يهيأ من الإكرام للضيف أو القادم. قوله تعالى: * (خالدين فيها لا يبغون عنها حولا) *. أي خالدين في جنات الفردوس لا يبغون عنها حولا، أي تحولا إلى منزل آخر، لأنها لا يوجد منزل أحسن منها يرغب في التحول إليه عنها، بل هم خالدون فيها